عندما نتحدث عن قضية فاننا ندلل عليها من الواقع ولا نتكلم عن خيال، فعندما حكم التيار الاسلامي فترة قصيرة من الزمن جسد مبادئه وضرب مثلا في احترام شعاراته، ولعل فترة حكم مرسي اقرب مثال لما نقول، فاحترام الرأي الاخر وعدم اقصائه من المشاركة في الحياة السياسية، وفتح المجال للخصم للتعبير عن رأيه بمختلف وسائل الاعلام. واغلاق نيابة امن الدولة وشعور المواطن المصري بالامن السياسي لاول مرة في تاريخه، كل هذا مؤشر على ان ادعاء الاسلاميين باحترام الحريات العامة والرأي الاخر انما هو حقيقة وليس سرابا! وقس على ذلك ما تفعله حركة النهضة عندما فازت في الانتخابات العامة التونسية، وكان يمكنها ان تنفرد بالحكم دون غيرها ودون ان تُلام! لان هذه من مستلزمات الديموقراطية وهي ان الاغلبية تحكم، لكنها اشركت خصومها من الاحزاب الاخرى بالحكم، فأعطت لليسار رئاسة الجمهورية، وللقوميين رئاسة البرلمان، وهي شكلت الحكومة، ثم ها هي اليوم تتنازل حتى عن حقها في اختيار رئيس الحكومة! كل هذا من اجل المحافظة على الجو الديموقراطي، وخوفا من الحلول الامنية التي تفتت المجتمع، وها هو حزب العدالة في تركيا يحكم اكبر دولة اسلامية ويقودها الى صف الدول المتقدمة حضاريا واقتصاديا وتمكن باسلوبه الهادئ ان ينشر افكاره مستغلا الممارسة الديموقراطية داخل البرلمان الذي يملك فيه اغلبية مريحة. في المقابل كنا نُحكم لعقود مضت في معظم الدول العربية من قبل دكتاتوريات همها الوحيد التفرد بالحكم، وكبت الرأي الاخر واقصاء التيار الاسلامي من الساحة وعزل الدين عن الحياة العامة للناس، في تجسيد لمعنى العلمانية وتطبيق الاسلوب الليبرالي المتحرر من كل قيود الدين وأخلاقياته! متابعة قراءة مواقفنا تجسِّد مبادئنا
اليوم: 28 يناير، 2014
وكذبتُ مراراً ومراراً!
إلى أستاذي وجاري في الصفحة، وأحد معلميّ الذين تدربت خلسة على طريقتهم في الكتابة قبل أن أنضم إلى فريقهم، وأحد القلة القليلة الباقية التي لم تغرِها المغريات، ولم تغوِها المغويات، حسن العيسى:
تحية وبعد… أبا حامد، كان بإمكاني مهاتفتك، أو الجلوس معك في المكتب أو في المقهى، وطرح هذا الموضوع عليك، ولا من شاف ولا من شمت، لكنني فضلت أن تكون مقالاتنا وسجالاتنا “بجلاجل”، وأن يسبقها “مطبلاتي” يوقظ بطبلته أهل الحي، فيسمعونها، أو يقرأونها. متابعة قراءة وكذبتُ مراراً ومراراً!
الإصلاح يبدأ من فوق
يحذر محافظ البنك المركزي وزير المالية سابقاً الشيخ سالم الصباح (الوطن عدد 26 يناير) من أن الكويت قد يصيبها المرض الهولندي. بمعنى أن تصاب الدولة الكويتية بمثل ما حدث لهولندا في بداية ستينيات القرن الماضي، بعد اكتشاف غاز ونفط الشمال فتواكلت على تصدير هذه السلعة الخام وأهملت التصنيع، وكان انتكاسة للاقتصاد. تصوير وضعنا بالمرض الهولندي فيه ظلم لهولندا وللمرض ذاته، فالفارق بين الكويت ودول الخليج معها لا يمكن مقارنته بهولندا التي كانت ومازالت في طليعة الدول المتقدمة، وأولى أن نسميه المرض الخليجي، إلا أن تحذير الشيخ سالم والأرقام المخيفة والسيناريوهات التي سطرها يجب أن تؤخذ بجدية، فعدد السكان في الكويت 3.9 ملايين نسمة، يشكل الكويتيون ما يقارب الثلث فقط… "وهذا يوصلنا إلى استنتاج بأن نسبة عدد السكان غير الكويتيين ستظل تدور حول 60-70% طالما بقيت أنماط ونزعات وسلوكيات المجتمع تدور على ما هي عليه" (من مقال الشيخ سالم)، من جديد يؤكد صاحب المقال خطورة العجز بسبب بند الرواتب والأجور والمزايا والاعتماد شبه الكامل على منتج وحيد… إلخ، وعجز القطاع الخاص عن مجاراة القطاع العام في المزايا الوظيفية، ما رتب توجه العمالة للعمل به، وبالتالي أصبح يوظف أكثر من 90% من نسبة العاملين الكويتيين، مقابل رقم هامشي للكويتيين الذين يعملون في القطاع الخاص، ويتوقع الشيخ سالم تنامي نسبة البطالة من الكويتيين لتصل إلى 25%، وقد تصبح مؤسسات التأمينات عاجزة عن سداد المعاشات، وأن الرواتب والأجور قد تتأخر عن الموظفين إذا استمرت الأحوال على حالها.
قبل مقال ومقالات الشيخ سالم، حذرت تقارير "الشال"، وكتابات جاسم السعدون العديدة من خطر القادم، لكن لا يبدو أن أحداً من أهل القرار يقرأ، وإن قرأوا فلن يستوعبوا، وإن استوعبوا فهم أضعف من أن يضعوا أقدامهم على طريق الإصلاح الاقتصادي والسياسي، ردود الفعل لـ"صحوة" السلطة على واقع الدولة المالي، اختلفت بين أهل اليمين واليسار في التركيز على قضايا معينة وإهمال غيرها، فأهل اليمين لا يرون حلاً بغير تغيير واقع بند الرواتب والأجور وسياسة المنح والعطايا، وتحجيم هيمنة القطاع العام على اقتصاد الدولة، بينما أهل اليسار يرون أن بداية الإصلاح لا تكون بغير بتر امتيازات الكبار وفرض الضريبة التصاعدية على أصحاب الدخول العالية من شركات ومؤسسات مالية تحلب الدولة، ولا تعطي شيئاً في المقابل، ولا توظف أهل الديرة في الأغلب، ومقال الزميل د. بدر الديحاني في "الجريدة" أمس يعد مثالاً لذلك.
لا توجد حلول سحرية، ولا يمكن رفض كل حلول اليمين وكل حلول اليسار، القدر المتيقن المعترف به هو واقعنا الريعي المريض، مريض بمعنى أن نجلس على الكراسي وننتظر "ريع النفط"، بمثل ما ينتظر صاحب العمارة أجرة السكن من المستأجرين دون عمل ولا إنتاج، هذا مرض بدأ من الأعلى ونزل للأسفل، السلطة عممت الفساد والتواكل والاعتماد على عمل الغير، ووزعت "الريع" كل حسب قربه منها، بالدرجة الأولى وحسب الجنسية، لا بحسب العمل بالدرجة الثانية، وتم تشجيع المجتمع على هذا النمط الاستهلاكي الريعي، حتى ينسى الناس بؤسهم السياسي والفساد المقنن عند كبارهم، ولم تبد السلطة اهتماماً بنوعية التعليم باعتبار أنه أهم مفاتيح المستقبل للدولة، ولم تكترث بالاستثمار في الإنسان المنتج، وفضلت استثمار الولاءات الشخصية لها وشراء المواقف السياسية. ولا فائدة الآن من كل هذا الحديث المعاد، وكل الكلام عن الإصلاح الاقتصادي لن يكون مجدياً من غير إصلاح سياسي، وجماعة السلطة ليسوا مستعدين لسماع مثل هذا الكلام، فهذا "سيفوه وهذه خلاجينه".
سجون الدنيا ونارها
بالرغم مما تدعيه وسائل الإعلام اللبنانية والمصرية والكويتية والتونسية والمغربية وغيرها من ارتفاع سقف الحريات فيها مقارنة بالبقية، وهذا صحيح إلى حد ما، فإن هذه الحرية النسبية لم تجعل تلك الدول أفضل من غيرها في عدد المفكرين البارزين، واعتقد، وقد اكون على خطأ، بأن عدد هؤلاء في السعودية، آخذين في الاعتبار نسبية الأمور وظروف المملكة الثقافية والعلمية، أكبر مما هو معلوم بكثير، فهذا ما يمكن تحسسه، وقد سعدت بمعرفة عدد من هؤلاء، وعلى اتصال مباشر بغيرهم.
وبالتالي ما نراه على الساحة السعودية حاليا، وتحرك بطيء باتجاه الدعوة للانفتاح، بدأ يؤتي أكله. وربما ما ذكره أخيرا داود الشريان، مقدم البرامج الناجح، على قناة mbc، عن «شيوخ الفتنة» يصب في هذا الاتجاه. نقول هذا بالرغم من امتعاضنا من سكوته وغيره الذي طال، على تصرفات «شيوخ الفتنة»، والذي حذرنا من خطرهم على مدى عشرين عاما، وبدأت جهودنا وجهود غيرنا تؤتي أكلها. فقد قام الشريان، وللمرة الأولى من خلال مؤسسة قريبة من السلطة، بتسليط الضوء على الضحايا الذين غرّر بهم رجال دين الفتنة، وجعلوهم وقودا في عدة حروب أهليّة شرسة، وقام في برنامجه بتوجيه اتهام صريح لمجموعة من رجال الدين حددهم بالأسماء، بالتغرير بالشباب السعودي وإرسالهم إلى حروب سخيفة وشرسة، وطالبهم بان يذهبوا بأنفسهم إلى الجنة، وان فعلوا فسيلحقهم! واضاف: إن «المجتمع (السعودي» لازم يحاسبكم، المجتمع لازم يسائلكم، أنتم من غررتم بأولادنا.. وأفلتّم من العقاب في أفغانستان، وأفلتّم في العراق، وفي سوريا المفروض ألا تفلتوا»!
إن هذا التحول في «الفكر الإعلامي» السعودي إشارة مهمة لإيصال رسالة للرأي العام السعودي، والمجموعات التي تقوم بالدور الأكبر في تمويل الحركات الإرهابية، أو هكذا يقال، هذا غير دور مخابرات هذه الدول!
لطالما حذرنا من أحاديث هؤلاء الذين لم نتوقف يوما عن وصفنا لهم بالعلماء، تاركين الألقاب الأكثر تواضعا للعلماء الحقيقيين، على قلتهم في مجتمعاتنا!
نتمنى أن تشمل «ظاهرة الشريان» بقية إعلاميي السعودية، وان تمتد الظاهرة لتشمل الكويت، لنجابه المدعّين بالعلم الذين حققوا الملايين لأنفسهم من خلال إرسال فلذات أكباد عشرات آلاف الأمهات إلى حتفهم، من دون نتيجة تذكر، فمآل كل هؤلاء، وحركاتهم المتشددة، نار الدنيا وغياهب سجونها.
أحمد الصراف