تمثل أموال الخليج أو ما يسمى بـ «البترودولار» عماد اقتصاد الأمة العربية والداعم الأول لنهضتها وتنميتها ومحاولة وصولها لمصاف الأمم المتقدمة، في عام 74 بدأت عائدات النفط تتضاعف بشكل كبير بسبب الحظر النفطي العربي الذي تلا حرب اكتوبر 1973 المجيدة، فقد تضاعفت الأسعار عشرات المرات واستفادت بشكل كبير الشركات النفطية الغربية، كما انصبت الأموال الخليجية على البنوك اللبنانية حتى توقفت عن إعطاء الفوائد على الودائع آنذاك، وكان لزاما ان تمتص تلك الثروات الخليجية وان تبعد الأموال عن لبنان، سويسرا الشرق، لذا بدأت الأحداث الأمنية تتصاعد حتى انفجرت في عين الرمانة في ابريل 75 بسبب ما قامت به منظمة التحرير العربية التابعة لصدام، وقد استمرت تلك الحرب 17 عاما على أرض لا تزيد مساحتها على 10 آلاف كم2.
***
في أبريل 79 قامت الثورة في أحد أكبر البلدان المصدرة للنفط آنذاك ونعني إيران فعادت أسعار النفط للارتفاع الكبير وتكدست مرة اخرى عوائد البترودولار، لذا قام صدام بالاستيلاء على الحكم في يوليو 79 بعد ان رفض البكر مؤامرة شن الحرب على ايران وهو ما قام به صدام خلال أقل من عام على حكمه واستمرت الحرب 8 سنوات ما جعلها أطول حروب القرن العشرين زمنا، وجاوزت كلفة الحرب 500 مليار دولار، ثم عاد الطاغية ليكرر عملية امتصاص تلك الثروات عبر غزوه غير المبرر للكويت التي كلفت رغم قصر مدتها ما يقارب ضعف كلفة الحرب الأولى اي حوالي تريليون دولار.
***
في عام 2000 لم يتجاوز سعر برميل البترول 30 دولارا إلا انه وخلال 8 سنوات ارتفع الى 150 دولارا ثم عاد ليستقر على سعر ثابت يفوق 100 دولار للسنوات الخمس الأخيرة، لذا وحسب القراءة السابقة للأحداث كان واجبا ان تحدث خروقات سياسية وأمنية في المنطقة العربية لتمتص تلك الفوائض في الحروب والاضطرابات وعمليات الإعمار اللاحقة لها فكان الربيع العربي والحروب الأهلية والدمار المصاحب له.
***
آخر محطة: 1 ـ إن كانت القاعدة الماضوية العامة تظهر ان كل ارتفاع لأسعار النفط يجب ان تتلوه حروب تمتص عوائده، أرى ان الحروب الأهلية وعمليات التفتيت والتشطير والتدمير القائمة ستستمر هذه المرة الى أجل غير مسمى مصاحبة لانخفاض حاد قادم لأسعار النفط، لذا لن تكون هناك مستقبلا فوائض مالية قادمة من بيع النفط وهذا هو أحد أسباب «المخامط» الحالي على الأموال العامة.
2 ـ نرجو أن تلتزم الدول المانحة بدفع المبالغ التي أعلنت عنها في مؤتمرها الأخير، كما نرجو من الأمم المتحدة ان تصل الأموال عبرها لمستحقيها كاملة بعيدا عن تحميلها مصاريف إدارية وغيرها من نفقات تشتكي منها كثير من منظمات الشفافية الدولية والتي تسببت في السابق بفضائح فساد أشهرها عمليات النفط مقابل الغذاء في العراق.