هل الصحافة مهنة المتاعب؟ الجواب: “لا”. عذراً للزملاء. طيب هل هي مهنة الأتعاب والأرباح والتسلق والاسترزاق؟ الجواب: “لا”، مع إمكانية حدوث ذلك. إذاً ما هي الصحافة؟ الجواب: مهنة، فقط مهنة، حالها كحال غيرها من المهن. ما يجري على الهندسة يجري على الصحافة، وما يجري على الطب كذلك يجري عليها، وعلى المحاسبة، والتسويق، والتدريس، وما شابه.
إذا كانت ثمة مهنة تستحق لقب “مهنة المتاعب”، فهي المحاماة بلا شك ولا عك. أقول ذلك بعد احتكاكي الدائم بالمحامين. وهو احتكاك يولد الشرار، وقد يشعل النار. أما الصحافة فلا تعب ولا نصب، خصوصاً في زمننا هذا، وفي تطورنا هذا، وفي تقارب المسافات هذا. سابقاً كانت مهنة المتاعب، أما اليوم فلا.
على أنني لا أعتبر كتّاب المقالات صحافيين، وإلا اعتبرت الطبيب الذي يكتب صفحة “سلامتك” أو “صحتك” صحافياً، والسيد الذي يكتب صفحة تفسير الأحلام صحافياً، والشاعر المشرف على صفحة الشعر صحافياً. هؤلاء ليسوا صحافيين، فالأول يحمل صفة “طبيب”، والثاني “مفسر أحلام”، والثالث “شاعر”. ببساطة.
الصحافي يا سادة، هو المحرر، هو جالب الخبر، هو صائغ الخبر وعناوينه، هو المحلل، هو المصفف، هو المخرج، هو كل ما له علاقة بالخبر وطريقة إخراجه، وهو كذلك رسام الكاريكاتير، وهو راسم سياسة الصحيفة، وآخرون. هؤلاء هم أهل الدار، أما نحن، كتاب المقالات، فمن جملة الزوار. وعن نفسي، إن كنتُ أحمل لقب “صحافي”، فليس لأنني أكتب المقالات هنا أو هناك، بل لأنني ناشر صحيفة إلكترونية، ومن دونها لست صحافياً.
أتذكر هذا، وأضحك، كلما طُلب مني دفع الرسوم لتجديد هويتي الصحافية. تخيل؛ تزور صديقك بشكل مستمر في شقته، فيهاتفك صاحب العمارة مطلع كل شهر: “حان وقت دفع الإيجار”، أو تخيل أنك الصديق المقرب لأحدهم، وبعد وفاة والده، تشاركه وأهله الميراث!
نحن “نحن هنا تعني أنا، لكن من باب تبجيل الذات وتعظيمها، وهي طريقة يستخدمها كثير من كتّاب المقالات، ويخجل منها لفرط زهوها “كيم يونغ” الولد الذي يحكم كوريا الشمالية بتسريحة الديك الرومي” أقول، نحن ممن يرون أبعد من ذلك، فالصحافي الذي ترك الخبر وتفاصيله واتجه إلى كتابة المقالات، يجب أن يُنزع منه اللقب، لقب “الصحافي”. وإذا كان لا بد من ربطه بالصحافة، فليصبح لقبه “كان صحافياً”. هذا أصدق.