تعال نأخذها من قصيرها. لو قالوا: “لك الحق في اختيار البلد الذي تتمنى أن تكون أحد مواطنيه، من بين هذه البلدان؛ روسيا أو الصين، كأنظمة شيوعية، أو المملكة السعودية، كنظام إسلامي سني، أو إيران، كنظام إسلامي شيعي، أو بريطانيا، كنظام ديمقراطي رأسمالي مفتوح؟”، أيها تختار؟
سيحتج شيوعي: “روسيا والصين تدعيان الشيوعية زوراً”، وسيحتج متدين متشدد أو من “الإخوان المسلمين”: “السعودية لا تطبق الشريعة الإسلامية بالصورة الصحيحة”، ويرفض متدين شيعي معارض لسياسات إيران: “النظام الإسلامي الشيعي الحقيقي يختلف عما هو مطبق في إيران”، ووو، فنهدئ من روعهم: “ومن قال لكم إن الديمقراطية في بريطانيا يمكن أن تصل، مهما تعملقت وادعت، إلى أقدام الديمقراطية في السويد أو النرويج أو فنلندا أو نيوزيلندا؟”… لكن هذه عناوين أنظمة الدول محل الاختيار، إسلامية بشقيها، ديمقراطية رأسمالية، شيوعية.
قد تختار “دبي” أو “قطر” أو “أبو ظبي”، وهذه خارج القائمة، باعتبارها أنظمة وراثية تعتمد على طبيعة الحاكم لا طبيعة الحكم (انظر إلى حال قطر في عهد خليفة بن حمد، وقارنها بعهد حمد بن خليفة، الأمير الوالد). وقد تختار تركيا أردوغان، وهذه أيضاً خارج القائمة باعتبارها أقرب إلى النظام الديمقراطي منها إلى النظام الإسلامي (الدستور التركي ينص على علمانية الدولة)، وقد تختار لبنان، وهذا أيضاً بلد لا هو ديمقراطي ولا وراثي. لبنان بلد حلزوني برمائي، لن تجد صفة تصفه بغير وصفي له.
المهم، جاءت قائمة الاختيار بدول نظامها ساطع لا تداخل فيه، كي يسهل التوضيح. وعليّ اليمين القاطعة الباتعة أن يختار الإسلامي، بغض النظر عن مذهبه، بريطانيا، ويزاحمه الشيوعي على كراسي قطار لندن، واترك عنك الكلام المصفوف والصرف والمصروف.
سيداتي سادتي، استمعوا معي لأهل الفيزياء: “المواد تنتقل من الأماكن الأكثر ضغطاً إلى الأماكن الأقل ضغطاً”. هذه هي المعادلة الرئيسية في القصة كلها.