هي رشيدة قبل أن يتم تشكيلها. أتحدث عن حكومة الكويت. و”رشيدة” هنا اسم. لم تعد صفة. كأن تقول “الوشيحي الطويل” أو “راشد الضخم” أو “فهد اللص”…
ولن تخرج هذه الرشيدة، أو هذه الحكومة، عن الخط المرسوم للرشيدات السابقات، الذي حفظناه عن قهر غيظ، ومخطئ من يظن أن “اتفاق الطائف” يسري على لبنان وحده. الكويت كذلك. هي فراغات يعبئها رئيس الحكومة: ستة أو سبعة شيوخ من الأسرة الحاكمة، وثلاثة من الحضر، واثنان من الشيعة، وثلاثة أو أربعة من القبائل، عجمي، ومطيري، ورشيدي، وعازمي، مع فوارق طفيفة لا تكاد تُرى بالعين المجردة. ثم ماذا؟ ثم فساد بأرقام أولمبية. متابعة قراءة حفظناها عن قهر غيظ… وسنعدلها
اليوم: 5 يناير، 2014
سياسة الأبيض والأسود
مع دخول العام الجديد نرجو التخلص من سياسة أضرت بالكويت كثيرا عبر السنوات والعقود الماضية وأدت بنا الى التخلف عن الأشقاء الخليجيين الذين لا ينتهجون سياسة مشابهة لها، السياسة المعنية هي سياسة «الأبيض والأسود» حيث تبسط الأمور عبر تقسيم الناس الى «أبيض» يستمع منه لكل شيء فكل نصائحه مقبولة وكل كلامه اقوال مأثورة وكل اخطائه مغفورة فهو فوق المحاسبة مهما تكرر منه البعد عن الصواب، في المقابل هناك من يتم صبغهم باللون «الأسود»، لذا فكل نصائحهم مرفوضة وكل أمورهم الصائبة تحور وتفسر على انها اخطاء تستوجب المحاسبة.
* * *
وضمن ذلك المسار المستمر صبغنا على سبيل المثال الرئيس ياسر عرفات باللون الأبيض الفاقع وكانت طلباته أوامر تلبى في بلدنا، في المقابل طلينا أميركا وإسرائيل باللون الأسود الغامق وكنا أكثر الدول عداء أو تصويتا ضدهما في الأمم المتحدة حتى أتت كارثة الغزو ووقف عرفات مع غزونا وسفك دماء رجالنا والتعدي على أعراض نسائنا، بينما ارسلت الولايات المتحدة أبناءها لتحريرنا كما امتنعت إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها عن الرد على صواريخ صدام كي لا يتفكك التحالف القادم لإنقاذنا.
* * *
وبالمثل صنفنا في الماضي إيران باللون الاسود ووقفنا ضدها وهي المعتدى عليها، وصنفنا الطاغية صدام باللون الأبيض ووقفنا معه، ولازلت أذكر المقال الذي كتبته بعنوان «نحن والأشقاء» عام 1986 إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية وانتقدت فيه بشدة عدم قيام النظام الصدامي بتحديد الحدود وحل الاشكالات العالقة معنا كما قام بذلك مع الجيران الآخرين، وأضفت أن سياسة الدفع المقدم التي نتبناها سيكون لها أفدح الضرر المستقبلي علينا فمن لا يحدد الحدود وهو في حاجة لنا فلن يحددها عندما تتوقف حربه وتتوقف معها حاجته لنا.
* * *
آخر محطة: تلك السياسة تمتد إلى الداخل كذلك ولها أضرار كبيرة حيث اختلطت وانقلبت الألوان بشدة، فمن يضر يكافأ ومن يفيد يعاقب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أي بركة أي بطيخ؟!
في غضون يوم أو يومين – الزمن ليس مهماً في هذا البلد – قررت إدارة المرور "فجأة" تخفيض سرعة القيادة في معظم شوارع الدولة، وبررت الإدارة قرارها بوجود دراسات دولية بأن مثل ذلك القرار يخفف زحمة المرور، الناس "الرعية" الذين لم يكونوا على علم لا بالقرار القسري ولا بالدراسات التي تحدثت عنها إدارة المرور سكتوا، فهذا أمر سيادي من السلطة، يفترض أنه جاء "للمصلحة العامة" بحكم العادة الرسمية المتأصلة بالتبريرات، وأيضاً "فجأة" تم إلغاء قرار مدير المرور من قبل وزير الداخلية في زمن قياسي من ولادته، والذي جاء، بدوره، بعد دراسات مستفيضة، وبحكم العادة الكويتية المتأصلة ذاتها، ليقرر أنه لا علاقة بقرار مدير المرور اللواء العلي بتخفيض السرعة بأزمة الاختناقات المرورية، وطبعاً "دراسات" مكتب الوزير الشيخ لابد أن تكون "ديلوكس"، وأمضى من دراسات اللواء العلي المواطن الضابط.
لا يهمني صحة أي من الدراستين المتناقضتين لوزارة الأمر والطاعة، فهذا شأن خاص بالشيوخ فهم "أبخص" بمعنى أعلم بالمصلحة العامة، وهو أيضاً من اختصاص، بالدرجة الثانية، الضباط الكبار، الذين هم بمراكز "عالية" وفوق القانون، وأعلى من سقف المساءلة مثلما قرأنا بأخبارنا الخجولة عن الضابط الكبير المتاجر بالإقامات، والذي قد يكون ابن شيوخ أيضاً، وكان عقابه المروع بعد كشف جرائمه إحالته إلى التقاعد! ما يهم حقيقة هو الطريقة المخزية التي تصدر بها القرارات، وتدار عبرها أمور الدولة ثم تهمل، فمثلاً لنفكر قليلاً في كيفية صدور قرار إنشاء استاد جابر أو مستشفاه أو تحديد المسؤولية عن فشل هذا أو ذاك المقاول أو جريمتهما في كلا المشروعين، أو قرار و(قرارات) بناء أربعة مستشفيات، ثم توقيف العمل بها، أو قرارات بناء محطات للطاقة الكهربائية ثم تناسيها، أو قرار صفقة الداو ثم فسخها، ولنا أن نقيس مئات القرارات التي تولد في لحظة ثم تموت في لحظة أخرى، أو تهمل وترمى في سلة النفايات، وفي معظمها تنتشر روائح فساد مالي واستغلال نفوذ في خلقها أو إعدامها، وتظل الدولة على حالها المائل، وفي مكانها تراوح، أو تكون في حالة تراجع… الأسئلة المستحقة هنا كيف تتخذ مثل تلك القرارات؟ وهل تم التخطيط المسبق لها؟ وأي نوع من الدراسات الجدية أو الهزلية قد سبقها؟… لا أتصور أن أياً من تلك الأسئلة تم طرحه على أهل الحل والعقد في الدولة، وإلا فكيف نفسر ذلك الفشل والهدر المرافق المتواصل في تسيير أمور الدولة. يمكن أن نعيد الحكمة الثابتة في تراثنا الخاص بأن الأمور تسير على البركة، لكن حتى هذه لا تبدو صحيحة، فهي ليست بركة وإنما فضائح مزمنة في منهج إدارة الدولة، فلنضع أيدينا على قلوبنا حين نفكر بقلق مدمر في مستقبل أبنائنا تحت ظلال تلك الإدارة، ولنصمت بخجل حين يدور الحديث عن دولة المؤسسات.