يعتبر اليابانيون الشعب الأكثر اعتزازا بقوميته ويؤمنون بأنهم الأفضل وأن الطريقة التي يتبعونها في عملهم هي الأحسن، ولكن لم يمنعهم كل هذا، وما نجحوا في تحقيقه من إنجازات إدارية وصناعية، من الاستعانة بمهندس لبناني لانتشال واحدة من اكبر شركاتهم من الانهيار بعد ان بلغت ديونها عام 1999 أكثر من 22 مليار دولار، وكان كارلوس غصن، المولود في البرازيل، والذي انتقل منها الى لبنان مع أمه وهو في السادسة، والذي تخرج بعدها مهندسا من (Ecole Polytechnique) في فرنسا، هو المنقذ! فما حققه غصن وبلغه كان ولا يزال غير مسبوق، فبعد بداياته في فرنسا، والتي انتقل منها الى البرازيل اصبح في 1999مدير عمليات شركة نيسان، وليتولى بعدها بسنة رئاستها، ونجح في السنة الأولى في رفع أرباحها إلى 2.7 مليار دولار، بعد خسارة أكثر من 6 مليارات في السنة السابقة لها، وكان له فضل إنقاذها من افلاس محقق! نجاحه الهائل دفع شركة رينو، المنتج الأكبر للسيارات في أوروبا، في عام 2005 لتعيينه رئيسا لها، مع احتفاظه بمنصب الرئيس في «نيسان»، والشركتان متنافستان ولكن يجمعهما تعاون استراتيجي. والسؤال كيف قبل اليابانيون، بكل عنجهيتهم وصلفهم، برجل لبناني ليقود واحدة من أكبر واقدم مؤسساتهم (1933)، والتي يعمل فيها 155ألف موظف، وتبلغ قيمتها السوقية 3000 تريليون ين؟ الجواب يكمن في برغماتيتهم وواقعيتهم!
ولو نظرنا لوضع المرور لدينا لوجدنا أن جميع وزراء الداخلية، ومنذ نصف قرن، كانوا يصرون على تعيين عسكري تدرب طوال حياته إما على مقاومة الشغب أو حفظ الأمن وملاحقة المطلوبين وتأمين الحدود، وغير ذلك، على إدارة وظيفة عالية التقنية كالمرور، والتي لا علاقة لها بتنظيم السير بل بانسيابيته وتخفيف حوادثه، وتصميم مساراته، وكل هذه مهام علمية فنية بحتة وليست عسكرية، وبالتالي ليس من المعيب ان نعترف بفشلنا المخيف في هذا المرفق وأن نستعين بخبرة اجنبية لحل المشكلة التي تتفاقم كل يوم، فقد اصبح المرور كابوسا يوميا للكثيرين، ولن يحله أي عسكري ولو كان بدرجة مارشال، وحيث اننا لسنا أفضل من اليابانيين ولا حتما أذكى وأكثر خبرة من الغربيين، الذين يستعين بعضهم بخبرات بعض من دون أي حساسية، فما الذي يمنعنا من ان نجلب خبير مرور عالمياً، وهم متوافرون بكثرة، لينظر في المشكلة ويضع الحلول لها، فقد آن الأوان لأن نعترف بعجزنا وقلة حيلتنا، كما أن المشكلة في تفاقم مستمر.
أحمد الصراف