سامي النصف

القوى السياسية.. الملائكية!

رغم إقرارنا بخطأ الحكومة أعوام 67 و76 و86 إلا أن الإنصاف يقتضي أن نقول انه لم ينتج عن تلك الأحداث اعتقالات وتكميم أفواه وقتل وارعاب وإرهاب واختفاء قسري كما يحدث في الدول الأخرى، بل على العكس فقد شهدت الكويت ابان الستينيات والسبعينيات قمة تقدمها وازدهارها بعكس ما حدث إبان التسعينيات حتى يومنا هذا، كذلك لم يتحدث أحد عما إذا كانت تلك الإجراءات كانت فعلا بذاتها أم ردة فعل على أفعال لقوى سياسية لم تقدر عواقب ما تفعل، وهذا عبث آخر.

***

مقابل تلك الأخطاء الحكومية السابقة لننظر بشكل سريع لأخطاء القوى السياسية ولنحكم عقولنا وضمائرنا ان كانت أكثر او اقل فداحة من الأخطاء السابقة، ومن ذلك:

ـ يذكر المؤرخ العراقي خليل إبراهيم حسين في كتابه «ثورة الشواف» الصادر عام 1987 ص157 ان وفدا كويتيا برئاسة (…) أطال الله في عمره زار بغداد في 28/8/1958 وطالب بالانضمام للعراق وأخبرهم ان هناك ضباطا كويتيين وحدوديين مستعدين للتحرك وان عبدالسلام عارف عقب بأنه «سيكون أول جندي يدخل ارض الكويت»، بينما عارضه عبدالكريم قاسم في حينها واختلف الوضع فيما بعد.

ـ وفي الحقبة نفسها وضمن مهرجان خطابي في ثانوية الشويخ طالب القيادي الكويتي نفسه بأن تنضم الكويت للوحدة المصرية ـ السورية وان تكون كحال حلب أو حماة في تلك الوحدة، ولنا ان نتصور مصيرنا فيما لو تحققت تلك المطالب وأصبحنا بالتبعية جزءا من حكم البعث في سورية والعراق.

ـ يخبرني الكاتب الشهير حسن العلوي، وهو حي يرزق، تفاصيل ما نشره في أحد كتبه حول ما حدث بعد حل مجلس الأمة عام 1976 وطلب زعيم سياسي كويتي بارز زيارة بغداد في السر ولقاء نائب الرئيس صدام حسين وهو ما تم حيث اصطحبه العلوي لصدام وأخبره السياسي الكويتي ان لديه من أقاربه وجماعته ضباطا في الجيش الكويتي ويزمع التحرك على ان يدعمه صدام بجيشه وانه سيحقق مطالب العراق بعد نجاح تلك العملية، وقد رفض صدام تلك العملية وان اختلق مثلها عام 1990 عندما ادعى ان هناك حركة في الجيش الكويتي طلبت دعمه.

ـ عام 88 قام ساسة كويتيون بمراقبة انتخابات المجلس الوطني العراقي وتحدثوا في دواوينهم عن عمليات التزوير الواسعة التي تمت ولم يكتبوا شيئا عن تلك التجاوزات في تقريرهم فلماذا ذهبوا؟ ولماذا سكتوا؟ ولماذا التقوا صدام؟!

ـ عام 1990 ورغم النوايا العدوانية للنظام العراقي التي تمثلت بالاعتداء على اللاعبين الكويتيين وعلى الجمهور ابان دورة الخليج في فبراير 90 بالكويت وإعلانهم الانسحاب منها ثم ما حدث في قمة بغداد وما بعدها من تهديدات، الا ان هناك من ذهب والتقى صدام وسمع منه التهديد والوعيد وسكت عن ذلك ومن ثم فالخطأ مضاعف.. زيارة غير مبررة وسكوت غير مبرر.

ـ أتى الغزو عام 90 وانقلبت علينا الحركات الأم لبعض القوى السياسية الكويتية وقامت احداث ووقائع فاضحة في واشنطن ولندن ولاهور أدانت بعض قيادات العمل السياسي الكويتي حيث رفضت بتوجهاتها الدينية واليسارية حرب تحرير الكويت مفضلة عليها حلولا بديلة كانت ستبقينا تحت الاحتلال حتى يومنا هذا.

***

آخر محطة: اقرأ المقال مرة أخرى وقرر بتجرد تام أيهما أكثر فداحة: أخطاء الحكومة، أم أخطاء بعض قوى المعارضة؟! وكيف لمن هذه أخطاؤه ان يتم اتباعه مرة أخرى؟!

احمد الصراف

أردوغان الذكي وبديع الغبي

صرَّح الزعيم التونسي «الباجي قائد السبسي» بأن حزب النهضة التونسي، فرع الإخوان المسلمين، يشكل خطراً على تونس. وقد ذكَّرني تصريحه بما سبق أن صرح به رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل أشهر عدة، طالباً من القيادة المصرية السعي لوضع دستور يستند إلى مبادئ الدولة العلمانية، والتي لا تعني بالضرورة دولة اللا دينيين، بل الدولة التي تحترم مواطنيها وتقف منهم ومن معتقداتهم على مسافة واحدة، فمواطنو الدولة العلمانية ليسوا مجبرين لأن يكونوا علمانيين أو لا دينيين، عكس الدولة التي بإمكانها أن تكون علمانية. وقال لهم: «لا تقلقوا من الدولة العلمانية، وأتمنى وجود مثلها في مصر». وأضاف أنه رئيس وزراء دولة علمانية، لكنه مسلم ملتزم، لأن في تركيا العلمانية لكل فرد الحق في أن يكون متديناً أم لا! لافتاً إلى أن تصريحاته قد تفهم بشكل مختلف، ولكن هذا هو معنى العلمانية في بلاده، مؤكداً أن مصر لديها بنية تحتية تمكنها من تخطي المرحلة الانتقالية بكل سهولة. وأشار أردوغان إلى أن مصر تستطيع بناء دولة حديثة بعد الثورة إذا طبقت ثلاث خطوات تتمثل في الإدارة الجيدة للمواطنين، والاهتمام بالتعليم، وأخيراً التنظيم الجيد لأموالها، فضلاً عن القضاء على الفساد وتحقيق الاستقرار.
والآن، وبعد انتهاء المصريين من الاستفتاء على دستورهم الجديد، الذي لا علاقة له بالعلمانية بتاتاً، فمن الواضح أن قيادة مصر الجديدة المتمثلة في مكتب الإرشاد قد رفضت عرض أردوغان، ودولته المدنية، وأنهم بالتالي لن يحتفظوا بمسافة واحدة من جميع مواطنيهم، بل بمسافات مختلفة، ومن لا يعجبه، فأمامه أحد ثلاثة خيارات: إما أن يقبل الوضع ويسكت، أو يهاجر أو.. يذهب إلى الجحيم! وهذا ما سيجر الخراب على مصر لعقود طويلة مقبلة.
والغريب أننا بعد كل التجارب القاسية التي مرت بها دول مثل طالبان والسودان وإيران، وحتى لوقت قصير السودان وباكستان، وحرف النون في آخر أسمائها هو الشيء الذي يجمع بينها، لم يتعلم ساسة مصر أن من المستحيل أن تزدهر الدولة الدينية وتنجح ويعمها الخير والسلام، وأن حل الدولة العلمانية، وللدول الإسلامية بالذات، هو الطريق الوحيد، وسبب ذلك يعود إلى تعدد فسيفساء الأعراق والديانات في هذه الدول، وغلبة الإسلام عليها لا يعطي أتباعه في هذا العصر الحق في التحكم في رقاب البقية بالطريقة التي تحلو لهم، فالمواثيق الدولية والأعراف والعلاقات، التي أصبحت تربط الدول ببعضها، تجعل من الصعوبة بمكان استمرار تحكم نهج أو عنصر في البقية من دون رضاهم، ولو قارنا حال دولنا بإسرائيل مثلاً، لوجدنا أن هناك بوناً شاسعاً يفصلنا عنها فيما يتعلق بحقوق الإنسان داخلها، بالرغم من كل جرائم الصهيونية خارجها. فما حصلت عليه الأقليات العرقية والدينية لم يحصل عليه مماثلوها في أي دولة عربية. إن الدولة المدنية والعلمانية بصورة أصح هي الحل، وهي التي سينتهي المطاف بها، ولكن البعض سيدفع ثمناً غالياً قبل أن يقتنع ويصل لها.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

القمة تلبس ثوباً جديداً

ذكرنا في مقال سابق أنه قد حان الوقت كي تلبس المعارضة الكويتية ثوبا جديدا، أما اليوم فإن قمة دول مجلس التعاون الخليجي هي التي ستلبس ثوبا جديداً! فان كانت شعوب دول هذا المجلس تنتظر في السابق من مؤتمرات القمة هذه قرارات تصب في مصلحتها وتراعي طموحاتها وتطلعاتها، فإنها اليوم لا تأمل منها إلا القرارات التي تراعي مصالح أنظمة الحكم واستمرارها. لقد فوجئت شعوب الخليج بالاتفاقية الأمنية التي تم اعتمادها ومن دون سابق إنذار، في الوقت الذي كانت تنتظر فيه التمهيد لإعلان الكونفدرالية بين الدول الست، أو بعضها على أقل تقدير! لكن يبدو أن مستجدات الأحداث المتسارعة على ارض الواقع في أكثر من قطر خليجي، والتي تدعو في اغلبها الى المطالبة بمزيد من حرية الرأي والتعبير واجراء تعديلات دستورية لمزيد من المكتسبات الشعبية وتقييد طغيان النخب المسيطرة على مقدرات الشعوب، كل ذلك عجل في اعادة ترتيب أولويات بعض القادة، فأصبح الهاجس الأمني هو الشغل الشاغل لهم. لذلك، يتوقع المراقبون أن تكون قمة المنامة أكثر القمم التي تحتوي على قرارات سرية ذات طبيعة أمنية قمعية مقيدة للحريات العامة بشكل خاص. ولئن كانت بعض هذه الدول تستعمل الحل الأمني منذ فترة إلا ان البعض الآخر كنا نشاهده يمارس الديموقراطية الممنهجة دستوريا، وكان القانون سيد الموقف فيها، أما الآن فمن المتوقع أن تتفق هذه الدول ليس على مواكبة التطورات العالمية الداعية إلى احترام حقوق الإنسان، بل إلى استعمال الحلول الأمنية التي أبرز أدواتها قمع الحريات وكبتها! أي اننا سنشاهد نكوصا إلى الوراء في الوقت الذي تتجه فيه بقية دول العالم إلى التحول الديموقراطي وانتهاء عصر الدكتاتوريات.
ومما يحز في النفس أننا على يقين أن بعض هذه الدول الخليجية لم تكن لتسلك هذا المسلك لولا أنها أخذت الموافقة المسبقة من أميركا ودول الاتحاد الأوروبي في تناقض صارخ مع مبادئها المعلنة، مما يؤكد أن المصالح الدائمة وليس المبادئ هي محور السياسة الغربية. لذلك، شاهدنا انتشار ظاهرة القمع الأمني وفتح السجون وتقييد الحريات وتجهيز التهم المعلبة وتكميم الأفواه بشكل غير مسبوق في بعض دولنا الخليجية! حتى الكويت التي كنا نفاخر بديموقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان وكنا نتوقع أن تؤثر إيجابيا في الدول الشقيقة الأخرى بدأت تسلك المسلك المشين وتعود إلى زمن العصور الوسطى المقيدة للحرية والكلمة، لكن هذه المرة بمباركة مزيفة من برلمان مختلف بشأنه لن يرحمه التاريخ والناس. ولعل هذا الوضع يفسر الزيادة الكبيرة في حوادث انتهاكات حقوق الإنسان في الكويت وانتشار الفساد في معظم مرافق الدولة، ولعل حكم الميموني الأخير غني عن البيان، لكن ماذا نتوقع من برلمان يفترض أن يمثل الشعب وتطغى عليه ظاهرة سوء السمعة والتكسب غير المشروع من المال العام؟! فهل تحول وطن النهار إلى وطن للظلام؟! أتمنى أن أكون مخطئا!