بعض شبابنا الكويتي الاقل من عشرين عاما لم يعش تفاصيل كارثة الكويت الكبرى عام 90-91 عندما اختفى بلدنا في ليلة ظلماء بسبب قراءة صدام الخاطئة للتجمعات والتظاهرات والمسيرات والمصادمات في الكويت، وهو من في قلبه غل وحقد خاف، فأرسل جيشه لدعم الثورة التي قامت ضد الأمير! كما أتى في بيانه الكاذب الأول الذي تلاه الإعلان عن تشكيل حكومة الكويت الحرة المؤقتة وتحول دولة الكويت الى جمهورية الكويت (ما فائدة التاريخ اذا لم نتعلم منه كي لا نكرر أخطاءنا.. وما أكثرها؟!).
***
ولد نورمان شوارزكوف بولاية نيوجرسي الاميركية في عام 1934 من عائلة عسكرية ذات أصول ألمانية، حيث تخرج والده في كلية ويست بوينت الشهيرة وشارك في الحربين الاولى والثانية، وعاش وخدم في السعودية وإيران، كما تخرج ابنه نورمان في نفس الكلية وشارك في حرب فيتنام وغرنادا، وضمن القوات الاميركية في ألمانيا، واشتهر بمسمى الدب الأميركي، ويعتبر من ألمع كبار القادة العسكريين الاميركيين في القرن العشرين أمثال دوغلاس مكارثر وباتون وأيزنهاور.
***
في عام 1982 وبعد انسحاب قوات صدام من إيران والاعتقاد السائد بأن الحرب العراقية ـ الايرانية ستنتهي آنذاك، التقى شوارزكوف مع الصحافيين الأميركيين على البارجة «لاسالا» ومما قاله حينها انه لا يعلم نوايا صدام الحقيقية، الا انه يعلم أن قدرات جيشه تؤهله لغزو الكويت بالكامل وتهديد دباباته حقول النفط في المنطقة الشرقية للسعودية، وليتنا كنا نقرأ ونستعد ولا نقوم بما يسهل للذئب الغادر عمله.
***
في عام 1988 رقي شوارزكوف إلى رتبة جنرال وأصبح قائدا لـ «السنترال كوماند» المسؤولة عن منطقة الشرق الاوسط ومركزها تامبا في الولايات المتحدة، وفي عام 90 قرر خلق لعبة حرب اسمها «انترلوك 90» مضمونها كيفية التعامل مع غزو صدامي كامل للكويت وتهديده لحقول النفط السعودية (ليتنا كذلك كنا نتابع ونقرأ ونحلل ما يجري حولنا ولا ننشغل دائما بمشاكل الداخل)، وقد أبدع الجنرال شوارزكوف في كيفية التعامل مع الغزو الصدامي، حيث طبق خطة «درع الصحراء» لحماية المملكة ثم «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت بأسرع وقت وأقل كلفة، معتمداً على خداع القوات الصدامية وجعلها تنتظر قدوم قواته من البحر شرقا، بينما كانت قواته والقوات الانجليزية جرذان الصحراء تنطلق عبر الصحراء غربا لعزل القوات الغازية شمال البصرة فيما سمي بخطة «اللفت هوك».
***
وكعادة القادة العمالقة والعباقرة لم يسم الراحل الكبير شوارزكوف نفسه ببطل أم المعارك الخالدة أو بطل الحرب والسلام، بل تقاعد في صيف 1991 وكتب في العام الذي يليه كتاب ذكرياته عن الحرب في 500 صفحة والذي أسماه «الأمر لا يحتاج الى بطل» ثم عمل محللا عسكريا لقناة NBC الأميركية وأصيب بسرطان البروستاتا وكرس باقي حياته لأعمال الخير والتوعية من أخطار مرض السرطان حتى وفاته، ويا لها من سيرة عطرة تستحق أن تدرس في المدارس.
***
آخر محطة: (1) كي لا نتهم بنكران الجميل أو ضعف الذاكرة، نرجو أن يسمى الشارع الرئيسي المقابل لمعسكرات الجيش باسم الجنرال نورمان شوارزكوف، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله لمن ساهم في إرجاعنا بأسرع وقت ومنع تحولنا الى قضية لاجئين ومهجرين دائمة أخرى.
(2) نحذر مرة أخرى من تأثير اضطرابات الداخل على.. إضعاف موقفنا في الخارج.. فالعقل العقل والحكمة الحكمة.. فلن تسلم الجرة في كل مرة!