سامي النصف

الخيارات السياسية لبعض القوى الاقتصادية!

يشتهر عن الشعب اللبناني الشقيق تفوقه وذكاؤه وعبقريته في العمل الاقتصادي، يقابلها اخفاق كبير عندما يمارس العمل السياسي، في الاقتصاد يعمر اللبناني بلدان الآخرين وفي السياسة لا يستطيع ان يدير شؤون وطنه الصغير فينتهي في كل مرة بأزمات وحروب ودماء ومصاعب ومصائب واشكالات سياسية لا تنتهي حتى صنف لبنان الاخضر ضمن الدول الفاشلة والمتخلفة في العالم.

***

تلك الحقيقة الجلية تمتد تاريخيا وحتى يومنا هذا لبعض الطبقة التجارية الكويتية التي كانت الاكثر علما وثقافة وسفرا واطلاعا في الماضي، بدءا بالخيارات «السياسية» الخاطئة عام 38 والتي لو تحققت لكنا جزءا من التاريخ الدموي الحديث للعراق الشقيق، ومثلها الاخذ بالخيار الناصري في الخمسينيات والستينيات، رغم قمعه ودمويته وعدم ديموقراطيته ومحاربته لرجال الاقتصاد الحر في مصر وسورية وطردهم وتأميم املاكهم، فكيف تم الايمان به على حساب حاكم ديموقراطي تاريخي كحال المغفور له الشيخ عبدالله السالم؟! لا اعلم.

***

ورغم ان الطبقة التجارية والاقتصادية هي الحليف الطبيعي للانظمة في كل البلدان ومنها بلداننا الخليجية، الا انها اختارت في الكويت مسارا سياسيا غريبا ومختلفا هو التحالف مع القوى الماركسية والاشتراكية والقومية ضد نظام الحكم، كما دفعت للاخذ بالخيار الديموقراطي وهو امر جيد لنا كشعب وكمواطنين عاديين، الا انه خيار سياسي غير ملائم لها كون اللعبة الديموقراطية تعتمد على العدد الذي تفتقده تلك الطبقة المؤثرة نوعا لا كما.

***

وفي السبعينيات تسبب خيارها السياسي الخاطئ بالمعارضة والتحالف مع القوى اليسارية في تحول النظام من الاعتماد عليها الى الاعتماد على التيار الديني المحافظ فتم انشاء بيت التمويل وبيت الزكاة وانشاء عشرات المقرات للقوى الدينية المحافظة، كما تمت محاولة الاستفادة من البترودولار المتدفق بعد حرب اكتوبر 1973 في خلق طبقة اقتصادية كويتية جديدة ذات توجهات سياسية معتدلة وغير معارضة، الا ان الامر انتهى بكوارث ازمة البورصة عام 1976، والمناخ عام 82، كما مالت تلك الطبقة سياسيا للعراق ابان حربه مع ايران 1980 – 1988 بينما كان يفترض ان تكون العنصر الضاغط لالتزام الكويت بموقف الحياد بين البلدين كي تستفيد اقتصاديا منهما وهو الدور الذي لعبته الطبقة الاقتصادية في الامارات مما جعلها تحتل المكانة التجارية والمالية الدولية المرموقة التي تحتلها الآن، واثمان اقتصادية تدفع لاخطاء سياسية اخرى.

***

آخر محطة:

1) لو ان التوجه الاقتصادي او حتى الوطني هو الذي قرر المقاطعة هذه الايام لما اصطفت القوى الاخرى معه او خلفه، بل لعملت جاهدة على تنحيته وحصد الكراسي النيابية التي تخلى عنها.

2) في خيارها السياسي الخاطئ هذه الايام، تصبح تلك القوى الاقتصادية والوطنية خاسرة في كل الاحوال فإن فشلت المقاطعة كما حدث اصبحت معزولة عن مركز الحدث، وان نجحت المقاطعة فستحصد القوى الشعبية والمحافظة – لا هي – الكردت لهذا النجاح.

3) امام تلك القوى الاقتصادية خياران، إما طلاق نهائي للعمل السياسي والتفرغ للاقتصاد فقط او تعيين مستشارين سياسيين لها تتطابق أجنداتهم مع أجنداتها، لا ضدها كما هو الحال الآن.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *