سامي النصف

جيش الظل وجيوش الظلم والظلام

اهتمامنا بالقضية الفلسطينية سببه حقيقة أنها القضية المركزية لكل ما يحدث في المنطقة من أحداث جسام هذه الأيام، ولو تغير مسار القضية منذ البدء لتغير بالتبعية مصير شعوبنا جميعا وأولها الشعب الفلسطيني الذي عانى ومازال يعاني الكثير ولأصبحت دولنا على الأرجح بمثل حال دول شرق آسيا أو غرب أوروبا، علما بأن دولنا لم تدمر كحال دولهم او تضرب بالقنابل النووية، وقد ذكرنا في مقالات سابقة ان إشكال القضية الفلسطينية سببه تقلد المتطرفين لا المعتدلين زمام أمورها منذ يومها الأول حتى يومنا هذا، فحتى قيادة معتدلة كالرئيس محمود عباس لا يستطيع تحقيق مكاسب أساسية لشعبه لحقيقة وجود عناصر متشددة في مناطق أخرى من فلسطين لا يملك سلطة القرار فيها لذا فمنطق الإسرائيليين عند التفاوض معه كيف تريد ان نستبدل الأرض التي نملكها بأمن لا تملكه؟

***

صدرت عن دار بيسان قبل مدة قصيرة ترجمة لكتاب بحثي مهم أصدره الباحث الإسرائيلي هليل كوهين اسمه «جيش الظل المتعاونون الفلسطينيون مع الحركة الصهيونية 1917-1948» ذكر في مقدمته أن سبب إصداره الكتاب كون المؤرخين الفلسطينيين سكتوا عن ذكر سيرة المعتدلين وحتى المتعاونين لأسباب واضحة كما سكت عن ذكرهم المؤرخون الإسرائيليون كي يريحوا ضمائرهم وضمائر الشعب الإسرائيلي كي يقولوا ان الفلسطينيين يستحقون ما أصابهم لكونهم كانوا «جميعا» أعداء لنا، بينما يظهر التاريخ عدم صحة ذلك الادعاء فالكتاب يشمل معلومات بالأسماء والوقائع والوثائق والتواريخ عمن كان له من الفلسطينيين رأي آخر يختلف عن رأي المتشددين الفلسطينيين ومن المعتدلين من آمنوا بالسلام بين العرب واليهود أو من اعتقدوا ان تعاون ووحدة العرب واليهود كجمعية «اتحاد الساميين» سينتج عنه خير يعم المتطرفين حيث سيعمل المهاجرون اليهود من ألمانيا وأوروبا كقاطرة للدولة والمنطقة تجرها للأمام كما قاموا بذلك في الولايات المتحدة في الثلاثينيات.

***

ويظهر الكاتب ان للمعتدلين من الفلسطينيين أسبابا عديدة في اعتدالهم فبعضهم لهم علاقات صداقة وتعاون قديمة مع اليهود في فلسطين ولم يجدوا غضاضة في استمرارها لمنع الاقتتال بينهم، والبعض الآخر رأى في مسار المفتي المتشدد ما يدفع لنشوب حرب بين كفتين غير متكافئتين سينتج عنها بالضرورة خسارة الأراضي الخاصة والدولة إلى الأبد «وهو ما حصل» والبعض من هؤلاء باع أراضيه لأنه يعتقد ان الأرض ستفقد في كل الأحوال، فالحصول على مال مقابلها يساعد في الحياة الكريمة بالمهجر خير من ضياعها دون مقابل بسبب النزعة القمعية والسياسة الرعناء للمفتي الرافضة لكل الحلول. وفيما يخص القضية الحساسة الخاصة ببيع الأراضي للوكالة اليهودية، يرى الكاتب ان للبائعين وسماسرة الأراضي وعلى رأسهم اسعد الشقيري والد أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير أسبابا عدة: فبعضهم قدم مصلحته الشخصية على المصلحة الوطنية «في كتاب آخر للباحث الفلسطيني د.تيسير قبعة ضمنه وثائق الخارجية البريطانية تظهر أن المفتي أمين الحسيني كان احد وسطاء بيع الأراضي» وبعضهم ذكر للجنة شو البريطانية انه باع جزءا من أرضه كي يتم احياء الأجزاء الأخرى، كما ان بعض زعماء القبائل الفلسطينية لم يكن مستوعبا لمبادئ الوطنية ولم يكن مستسيغا لعمله بالزراعة لذا باع بأعلى ثمن ليشتري أراضي ومواشي في شرق الأردن للعمل في الرعي، كما أوضح الكاتب أن المفتي رفض قرار لجنة بيل 1937 في مرحلة محاولة الإنجليز ارضاء الفلسطينيين والعرب وهم مقبلون على الحرب الكونية التي اعطت الفلسطينيين دولة على 90% من الأرض بسبب خشيته أن يحكمها الملك عبدالله ويضمها للأردن اي رفع المفتي شعار «أحكمكم او أضيعكم» التي حولها الثوريون العرب لاحقا إلى «أحكمكم أو أقتلكم»!

***

آخر محطة: (1) يذكر الكاتب ضمن وثائقه حقيقة ان المفتي قام بتعميم عملية «التخوين» على كل من نافسه مما جعل صحف ذلك الزمان تقول «انه قارب ان يخون شعبا بأكمله وان عملية التخوين تلك استفاد منها بائعو أو سماسرة الأراضي حيث اصبحوا كالآخرين».

(2) ويروي الكاتب ان المفتي شكل فرق اغتيالات كمنظمة «الكف الأسود» التي ذاع صيتها وأرسلهم لاغتيال منافسيه بحجة انهم خونة حتى بلغ مجموع من تم اغتيالهم من فرق الموت الخاصة به من الفلسطينيين آواخر الثلاثينيات اكثر ممن قتلهم الإنجليز واليهود مجتمعين.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *