فؤاد الهاشم

«البزازة كوندي والخياطة.. هيلاري»!

في تلك الخزانة «التاريخية» العجيبة المسماة بـ«يوتيوب» يوجد شريط – تستطيعون مشاهدته آلاف المرات دون أن تملوا – لوزير النفط الأسبق الراحل أحمد زكي يماني خلال مؤتمر صحافي قصير في العاصمة الدانمركية «كوبنهاجن» بتاريخ 2 نوفمبر 1973 أي بعد أسابيع قليله فقط على حرب أكتوبر المجيدة بين مصر والدول العربية وإسرائيل!
والآن.. ماذا قال الراحل يماني خلال كلمته البليغة تلك للعالم؟ يقول: «هل سيتحمل الاقتصاد الأوروبي والياباني انقطاع النفط السعودي عنه؟ قد تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمل؛ لأن لديها مخزونا ربما يكفيها لأشهر عدة، لكن.. ماذا عن الباقي»؟!
يسأله الصحافي: «وماذا لو قررت الولايات المتحدة الأميركية احتلال السعودية ومنابع النفط»؟! فرد الوزير اليماني: «هذا احتمال وارد ولكنه احتمال انتحاري، إذ إن لدينا بعض المواقع النفطية الحساسة في راس تنورة سنقوم بتفجيرها فورا، وقبل ذلك سنقوم بتخفيض إنتاجنا النفطي بنسبة 80 %‏ ونكتفي بـ20 % فقط»! فيرد الصحافي: «ولكنكم ستعانون من قلة الموارد حين تنتجون 20 % فقط من النفط»! فيرد اليماني قائلا: «حين نخفض الإنتاج سيشح المعروض ويرتفع سعر البرميل، الآن نحن نبيع البرميل بثلاثة دولارات، لكن في حال نقص المعروض سيرتفع السعر إلى 15 أو 20 دولارا أي أن الـ20 % ستكون أكثر فائدة لنا من الـ80 %، إنها سياسة العرض والطلب يا سيدي»!
ثم سكت قليلا وأكمل «نحن من سيقوم بتفجير آبار النفط، وعلى أوروبا واليابان ألا تتوقع أن إصلاحها سيكون بين يوم وليلة ولا حتى بعد شهور أو سنوات، فكيف سيكون حال اقتصادهم، سينهار بالطبع تماما»!
انتهى كلام الوزير السعودي الراحل وأبرز من تولى هذا المنصب في بلاده «أحمد زكي يماني»؛ ليمر على هذا الحديث أكثر من أربعين سنة ونشهد هذه الأيام.. انهيار أسعار النفط إلى مادون العشرين دولارا بعد أن تجاوز – أحيانا – حاجز المئة والخمسين دولارا!
سألت زميلا أميركيا عن سبب ذلك التدهور النفطي في سلعتنا الأساسية التي لا نملك غيرها، ونأكل منها ونشرب ونلبس ونقود السيارات ونبني الفيلات والقصور «ونسرق المناقصات» ونشتري الساعات لأيادينا والأساور لعشيقاتنا فضحك وقال: «إدارة أوباما وبالتعاون مع حركة الإخوان وبعض أشقائكم في الإقليم وطهران وأذرعها من بيروت إلى صنعاء لم تنس فعلتكم حين قطعتم إمدادات البترول عنا وعن الاتحاد الأوروبي واليابان خلال حرب أكتوبر بالعام 1973 وتهديدات السعودية والكويت بتفجير آباركم النفطية حال احتلالها من قبل قوات دلتا -81 المحمولة جوا، فجاء «الربيع العربي» الذي اشترت قماشه كوندليزا رايس وقامت بخياطته على مقاسكم هيلاري كلينتون، فحدث ما حدث وغرق الشرق الأوسط بالدم من زاخو في شمال العراق إلى مدينة الحمامات في تونس مرورا بمصر وليبيا وسوريا واليمن، وحين أوشكنا على استكمال المشروع بتسليم محمد مرسي والإخوان لحكم ذلك البلد المفصلي في المنطقة جاء السيسي بانقلابه الذي حطم آمالنا فقمتم أنتم بملياراتكم التي أخذتموها من دافع الضرائب الأميركي والأوروبي والياباني وساعدتم مصر ففشل المشروع عند أبواب القاهرة، لذلك كان لابد أن نقص أظافركم التي نشبتموها في رقابنا فكان أن أوصلنا سعر نفطكم الآن إلى ما دون العشرين دولارا فقط لا غير! سوف نعيدكم إلى سعر عصر السبعينات لكن بمصاريف وأكلاف القرن الحادي والعشرين»!
انتهى كلام الزميل الأميركي وانتهى كلامي.. هو الآخر!
***

آخر العمود:
منذ أكثر من 23 قرنًا كتب الكاتب المسرحي الإغريقي ارستوفانيس مسرحية تقول فيها بطلتها: أريد أن يكون للجميع نصيب في كل شيء فلا يكون غني يملك الأراضي الواسعة وفقير لا يملك شبرا من الأرض يدفن فيه. فتسأل شخصيه أخرى من المسرحية: ولكن من سوف يؤدي الأعمال الحقيرة في الدولة؟ فتجيب البطلة: نترك ذاك لعبيدنا!
***

آخر كلمة:
ألم تر أن العقل زين لأهله
ولكن تمام العقل طولُ التجاربِ

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *