عبداللطيف الدعيج

الاستقصاد المتواصل لحرية التعبير

لا شك ان الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان، رحمه الله، شخصية عالمية، لها وزنها وتأثيرها المميز. ولاشك ايضا ان المرحوم كانت له انجازات مميزة في المجتمع السعودي، حيث شهدت المملكة العربية السعودية في عهده انفتاحا على الكثير من الظواهر العصرية وانفراجا ملحوظا في العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية. هذا بالاضافة، بالطبع، الى تسارع التنمية والعمران.

لكن كل هذا لم يمنع، وليس من المفروض ان يمنع، ان يكون للملك معارضون مثلما له من مؤيدين. بعضهم «معارض خلقة»، والبعض الآخر كان يتمنى لو ان الملك حقق بالسرعة المطلوبة طموحاته وامانيه. لهذا امتلأ «تويتر» في الايام الاخيرة بتغريدات المترحمين والمتأسفين على وفاة الملك عبدالله وهم الغالبية المكتسحة بلا منازع. بعض المعارضين له ممن تمادى في عدائه وتخطى حدود اللياقة واللباقة في عرض وجهة نظره، لكن لكل حقه في التعبير. واذا كان محبو الملك قد تفننوا في ايراد الآيات القرآنية وصوغ القصائد الشعرية في رثائه واعلان محبتهم له، فان من حق من له وجهة نظر اخرى ان يعرضها وان يستخدم الوسائل المتاحة لتعزيزها.

لكن عندنا، وبالطبع، فان حرية الرأي محدودة.. مقيدة.. ومسؤولة حسب تعبير البعض. لهذا ثارت ثائرة الكثيرين. وصبوا جام غضبهم، مع الأسف وكالعادة، على حرية الرأي وليس على شكل ووسائل التعبير غير اللائقة عن هذه الحرية. وكالعادة ايضا، استغل اعداء حرية التعبير الامر للمطالبة باخراس من نطق وتكعيم كل من تجرأ وفتح فمه، بغض النظر عن اسلوبه او مبتغاه. في الوقت ذاته، فان المتصيدين لأخطاء الآخرين والمعنيين بحرق وإقصاء الخصوم، وجدوا قسوة ألفاظ البعض او انحراف تعابيره فرصة عظيمة للطعن في خصومهم وتحميل كل من اختلفوا معه وزر ما ارتكبه افراد يمثلون انفسهم ولا احدا آخر. حسنو النية من المواطنين، الذين اشعلوها حربا ضد حرية التعبير، مطالبين باعتقال البعض او محاكمة من يعتقدون انه اساء الى المرحوم الملك عبدالله، نسوا، او بالاحرى، تناسوا انه تلقى الآلاف من الدعاء والثناء ردا وتصديا لتغريدة واحدة أطلقت ضده!

المؤسف اكثر ان يكون احد الصحافيين ايضا ضحية للرد المتسرع على حرية التعبير، وان تتدخل الصحيفة في آراء الصحافي الخاصة والفردية لتتخذها وسيلة اما لفصله او وسيلة للتكسب على حسابه. حياة وسلوك وآراء الصحافي مثل حياة اي مواطن آخر، هي ملك خارج نطاق ومجال عمله، ومسؤولو عمله ليس لهم حق معاقبته او التدخل في خصوصياته.. ولكنها حرية التعبير التي يتبارى الجميع لاضطهاد من يمارسها.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *