مبارك الدويلة

نوعية غريبة من البشر

في السنوات الاخيرة ظهرت في الكويت ومنطقة الخليج نوعية غريبة من البشر: غريبة في تفكيرها وسلوكها، غريبة في منطقها، غريبة في جرأتها بالباطل، تتصرف وتتحدث بطريقة كنا نعدها قبل سنوات قليلة من الكبائر والمنبوذات في علم الأخلاق والسلوك! اليوم تتبنى هذه الآراء وتسلك هذا المسلك من دون حياء أو خجل، ومن دون أي اعتبار لدين أو قانون أو أخلاق!

يجتمع أتباع هذا الفكر الرديء في الخليج على محاربة الظاهرة الدينية، بحجة محاربة الإرهاب، وعلى رفض التيار الديني الوسطي والمعتدل بحجة محاربة الإخوان المسلمين! ويؤيدون تكميم الأفواه وتقييد الحريات، بحجة أنها تؤدي إلى زعزعة الأمن! وصوّروا العمل الخيري للناس بأنه تمويل للإرهاب، وأن منعه وتقليص مجالاته هما تجفيف لمنابع تمويل الحركات الجهادية المتطرفة! بل وصل بهم القبح إلى تأييدهم قتل الأبرياء المسالمين وسحلهم في الشوارع، ولم يكن ذنبهم إلا أنهم رفضوا انقلاباً عسكرياً! وتنكروا لمبادئ علمانية مستقرة كانوا يطالبون بها طوال مسيرتهم الناصعة السواد، مثل: الديموقراطية، والانتخابات، وشرعية الصناديق، وحكم الاغلبية، وتداول السلطة! واليوم أثبتوا للعالم أجمع أن الإيمان بهذه المبادئ مرتبط بمدى تحقق مصالحهم من عدمه!

هذه النوعية من البشر، التي بدأ الوسط الإعلامي الخليجي يزخر بها، شوّهت مسيرة حكوماتنا، فعندما قامت بعض هذه الحكومات بدعم التوجهات المخالفة للديموقراطية أيدوها ولم ينكروا عليها! وعندما بدأت بممارسة القمع ضد الحريات العامة شجعوها وأثنوا على تصرفها! ويوم أعلنت دعم بعض الحكومات العربية بالمليارات لم يتكلموا ببنت شفة، وهم يعلمون جيداً أن هذه الأموال ستكرس لتنفيع فلول النظام، وربما تفعيل أدوات القمع في الشعوب المغلوبة على أمرها! واليوم ربما أصبح الكثير من الشعوب العربية حاقدا على الخليج بحكوماته وشعبه، بسبب هذه المواقف التي لا تفسر إلا أنها ضد مصالح هذه الشعوب وضد إرادتها وسبب في استمرار معاناتها وقهرها! والبعض من هؤلاء الإعلاميين الخليجيين الذين زينوا للحكومات فعلها يقولون إن ما يحصل اليوم من مآس وأحداث مفجعة في بعض الأقطار العربية إنما هو نتيجة طبيعية لثورات «الربيع العربي»! ونقول لهم «إن كنت شاطراً فمثلك الناس شطار»، فالناس يعلمون جيداً أنه لولا تدخل بعض الحكومات في هذه الدول لما حصل لها ما حصل، لكن مليارات الخليج بدلاً من أن تذهب لازدهار الخليج، ها هي تذهب لزعزعة الأوضاع في كثير من الدول الشقيقة!

هذه النوعية من البشر تجاهر بأفكارها من دون استحياء، لعب فيها المال حتى أضاعت البوصلة، وصار همها إرضاء المسؤولين بالحق وبالباطل! ودخل على الخط، مع الأسف، بعض طوال اللحى (!!) الذين ضلوا وأضلوا، وبدلاً من أن يصبحوا أئمةً للخير، فإذا بهم دعاة للشر! وجعلوا من شعار طاعة ولي الأمر مطيةً لتمرير المحظورات! وتناسوا حديث سيد الشهداء حمزة.. ولم يردعهم قول الإعرابي لخليفة المسلمين «والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا»، فما كان من الخليفة الفاروق إلا أن قال: «والله لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها»! وبدلاً من ذلك جرى عليهم ما جرى على قوم فرعون «مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ»، فأصبح ما يراه ولي الأمر هو الحق بعينه الذي لا يخالجه باطل!

اليوم هذه النوعية من البشر فيهم الصحافي والكاتب والشاعر والأستاذ والمحامي وشيخ الدين، وكلهم تجمعهم كلمة واحدة «لا مذهب ولا ملّة ولا مبدأ ولا دستور»!

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *