علي محمود خاجه

هدوء

على غير العادة وفي عكس الاتجاه المتوقع مضت الأيام العشرة الأولى من شهر المحرم وما يصاحبها من ممارسات لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، بهدوء نسبي وعدد محدود جدا من المشاحنات ومحاولات زرع الفتن بين أبناء الشعب الواحد. أقول إن ذلك جرى على غير العادة وعكس الاتجاه المتوقع؛ لسبب بسيط أنه في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة كنا نشهد تصاعداً حاداً في هذا التوقيت من العام، حيث تستنفر جهود البعض في محاربة الطائفة الأخرى، وتحتقن الأمور بين استفزاز وتجاذب ومهاترات لا تسهم إلا في توتر العلاقة بين الناس من مختلف المذاهب، وكان من المنطقي أن تزداد الحدة مع مرور الوقت، فتلك هي طبيعة المشكلات التي لا تحل، فإن حدتها تزيد وحجمها يكبر مع الوقت، وهو ما لم يحدث ولله الحمد، بل على العكس فقد شهدنا في هذا العام مبادرات جميلة من بعض أبناء الطائفة السنيّة في مساعدة إخوانهم الشيعة في توزيع المشروبات في الطرق كما جرت العادة في المحرم، واستعداد البعض الآخر لاستضافة المجالس الحسينية في منازلهم، وهي مبادرات قوبلت بإشادة وارتياح شديدين، بل انتشرت في مختلف وسائل التواصل مشفوعة بكلمات التقدير والامتنان لتلك الممارسات، وبات الطرفان يتبادلان رسائل "تقبّل الله صيامكم" و"عظم الله أجوركم". من ينظر إلى ما حدث في هذا العام يعتقد أننا أمام مجتمع آخر مختلف عن مجتمع الأعوام السابقة، أو أن معجزة وقعت في نفوس أهل الكويت واستبدلت بالعداء مودة ومحبة، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فما حدث باختصار هو اختفاء الكثير من المؤججين ممن كانوا يتلذذون في الظهور في هذه المناسبات ليشعلوا الساحة ويزيفوا ما في نفوس أهل الكويت ليعلنوا عكسها، وقد يكون سبب هذا الاختفاء هو غيابهم عن الساحة السياسية، وبالتالي اختفاء الأضواء الإعلامية التي كانت تسلط عليهم، وتوهم الناس أنهم يعبرون عن رأي المجتمع. لقد حاول البعض المؤجج في الأيام القليلة الماضية إشعال الفتن، بل إن أحدهم قدم مفاتيح الجنة لمن يستجوب وزير الداخلية من النواب على خلفية ما يثار في المجالس الحسينية، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل ولله الحمد، وبالطبع فإن أفول نجم الإعلام المحتكر لعدد قليل من الناس كان له دور أيضا في اختفاء الاحتقان الوهمي الذي سيطر على الناس في السنوات الماضية، بالإضافة إلى أن صراع الشيوخ الذي كان يتوارى خلف أي مشكلة طائفية ليتقرب من فئة دون الأخرى بات أكثر وضوحاً اليوم، ولم تعد تفيده المشاكل الطائفية ليدعم إحداها، كل تلك الأمور أظهرت الروح الجميلة بين أبناء المجتمع واحترام المعتقدات المختلفة بشكل طيب ومريح جدا. وطبعا أنا هنا لا أقول إن الوضع أصبح مثالياً، بل إنه انطلاقة جيدة لإرساء قواعد التسامح واحترام المعتقدات جميعها مهما تعارضت مع ما نعتقد أو نؤمن به، على أمل أن تستمر هذه الروح ولا يزعزعها طالب فتنة وباحث عن الفرقة، فتقبل الله صيامكم أو عظم الله أجوركم. ضمن نطاق التغطية: بالتزامن مع وقت الكتابة جاء خبر مفاده أن جريمة في المملكة العربية السعودية وتحديداً في الإحساء أودت بحياة مجموعة من الأشخاص، علماً أن أساس الجريمة نابع من صراع المعتقدات، وعلى الرغم من فداحة الجريمة وبشاعتها فإنها نتاج طبيعي لما يحاول أن يرسخه البعض من بغضاء وكره طوال السنوات، ولا بد من تغيير المنهج قبل أن تسوء الأمور أكثر، خالص العزاء للأشقاء في السعودية.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

علي محمود خاجه

email: [email protected]
twitter: @alikhajah

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *