محمد الوشيحي

وهكذا… وهكذا

وليش كل هذه اللفة الطويلة؟ تتغرب وتترك أهلك لتلتحق بإحدى جامعات العالم، أو تدرس في هذه الجامعة التي بلغت سن اليأس، وتتمدد عيناك لطول السهر، ويزداد طول حنكك لفرط التعب، وتعتزل العالم، كالأجرب، فترة الاختبارات، ووو… ثم تحصل على شهادتك الجامعية.
وتبدأ حياتك العملية بعد طول صبر، وترى الأعجَبَيْن من رئيسك في العمل، ومديرك، والوكيل، والوزير، وتخرج من اجتماع لتدخل إلى اجتماع، وتضع يداً على قلبك، والأخرى على بطنك، في انتظار تقريرك السنوي، وتقييمهم لأدائك…
وتتسلم راتبك الشهري، فتقسّمه بحسبة راعي الغنم؛ فهذا المبلغ للوالد، وذاك للوالدة، وهذا مبلغ إيجار الشقة، في انتظار البيت بعد سبع عشرة سنة، وهذا قسط السيارة، وتلك مصاريف أخرى، وتصابر وتكابد على أمل منصب أعلى، وراتب أعلى، ورفاهية أعلى…
ثم يأتي من هناك شخص محمل بالغباء والتناحة ولقب العائلة، فيقفز في لحظات، فإذا هو يرأسك، ويأتي أغبى منه وأتنح ليرتدي بشت الوزير، بعد المحاصصة السياسية وشراء الولاءات.
ويأتي شخص ثان، بوجه من البلاستيك المغشوش، وعينين تتراقصان ذلاً، فيلقي بين يدي الشيخ أو المسؤول قصيدته، ويلقي تحت قدميه كرامته، فيحصل على مزرعة “هدية من الدولة”، يعرضها للبيع بنصف مليون دينار، ويحصل على منزل في موقع خيالي، ومصاريف رحلاته الترفيهية، وثلاثة عقود مع الحكومة، يعتبرها هدية أيضاً، “تدفن فقره”، بشرط أن يجيد الردح وشتم المعارضة.
وينتشر وباء الفساد، وتتهدم قيم المجتمع، فتغضب أنت وتحتج، فتطاردك الحكومة بالقضايا، وتمنعك من السفر، وتمنعك حتى من تجديد أوراق السيارة، واستقدام خادمة، ووو… وفجأة تجد نفسك متهماً بالفساد المالي والأخلاقي، ممن؟ من صاحب القصيدة، وصاحب اللقب العائلي، فيتقرب كثير من الناس للسلطة بالهجوم عليك، خوفاً وطمعاً، فيصرح المسؤول الحكومي بزهو: “أغلبية المواطنين مع توجهات الحكومة… وسنركز على التنمية البشرية”، فتتمتم أنت بكلمات تقتطع من حسناتك.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *