سعيد محمد سعيد

«مخرخشهم»!

 

تأخذ جماعة «مخرخشهم» العريقة في التاريخ، شكلاً من أشد أشكال القباحة واللؤم والوقاحة والسفالة! وهي إلى يومنا الحاضر، تمثل صيغة إعلام منحط وافر القذارة. إن هذا الصنف يعتاش على الانحطاط وإثارة الفتن والعداوات والتغابن والاتهامات الباطلة والافتراءات اللئيمة التي لا علاقة لها بالإنسانية ولا بالدين ولا بالأخلاق ولا بالوطنية.

هذه الجماعة من الكذابين المحترفين، يجدون في ممارسة الأكاذيب والأباطيل فائدتين: الأولى، مادية دون شك، فهم لا يعملون هكذا من أنفسهم لأنفسهم! فلا ريب أن هناك من يدعمهم؛ أما الفائدة الثانية فهي التعبير بضراوة عمّا يجيش في دواخلهم من طائفية وحقد وأمراض نفسية متراكمة، ولهذا فإن لفيفاً من أفراد الجماعة بمن فيهم «بطيخهم»، «جحشهم»، «طمبورهم»، «حنطورهم»، «مطبلهم»… وغيرهم كثيرون ممن يطلبون لهم كالإعلاميين والكتاب والمذيعين والمراسلين ذوي النفس «الرزيلة»، ليسوا سوى أدوات هي في الأساس مهيأة تربوياً ونفسياً وتجارياً واستثمارياً، لأن تقوم بدور جدهم مسيلمة الكذاب. المهم بالنسبة لهم هي أن يبقوا على صورتهم الذهنية التي انخدع بها المغفلون من أنهم أناس – أي جماعة «مخرخشهم» – يخدمون الدين والوطن والإنسان والحيوان… وهذا الأخير أيضاً له صلة قرابة بهم.

وليس مستغرباً أبداً أن يتبع أولئك المخروشون البطيخيون المطبّلون آلاف من الناس.. الجاهل والمغفل والميال لطقوسهم الخبيثة والمصفق لجنونهم؛ وصنف آخر من عشاق الطائفية والرقص على جراح الناس. ولهذا، فإن للباحث والمترجم المنشاوي الورداني سلسلة أبحاث ومقالات رائعة تحت عنوان: «كذب آلة الإعلام»، حيث يشير إلى أن المتأمل في مسيرة الكذب الإعلامي في قصص الأولين يجد ارتباطها الوثيق بتوجه معين يريده الطغاة، حيث يعزّز هذا التوجه بكل ما أوتي من قوة للحيلولة دون وجود المنافس الذي قد ينزله عن عرش الهيمنة والقهر، فالآلة الإعلامية ليست وليدة العصر الحديث فحسب، بل سبق وأن بسطت رداءها في العصور الأولى ولكن بأشكال تختلف عن وسائل عصرنا الراهن الذي يتمتع بالوسائل الإعلامية الحديثة كالإنترنت والصحافة والإذاعة والتلفزيون.

لقد اشتركت جميع الوسائل الإعلامية – قديمها وحديثها- في الكلمة الكاذبة لتوجيه الجمهور نحو توجه معين يريده من يملك الكلمة. والكلمة هنا هي الخطاب الإعلامي والذي كان في القدم ما يصدر عن اللسان، وفي العصر الراهن أيضاً ما يصدر عن اللسان، ولكن في صور مطبوعة ومرئية ومسموعة. وتأمل موقف القرآن من الشعراء حيث كان ما تلوكه ألسنة الشعراء هو النموذج الإعلامي القديم في ديوان العرب، ومن الجميل أن الباحث ساق شكلاً من أشكال «التوجيه» وهي المساجلات بين جرير والفرزدق من أجل مناصرة الحكام بسلطان الشعر. وما كان يحدث في فجر الاسلام من جانب شعراء الجاهلية بهدف ضرب الدعوة في مهدها، لذلك ذم القرآن ذلك النوع من التوجه الإعلامي الذي يهيم فيه الشعراء: «والشُّعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون. أَلَمْ تَرَ أَنَّهم في كُلِّ وادٍ يهيمون. وأَنَّهُم يقولون ما لا يفعلون. إِلا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وذكروا اللهَ كثيرًا وانتصروا من بعدِ ما ظُلِموا وَسَيَعْلَمُ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ ينقلبون» (الشعراء، 224-227). (انتهي الاقتباس).

ونحن في المجتمع الإسلامي والعربي والخليجي عموماً.. والبحريني خصوصاً، لابد أن نعترف بأن «خطاب الكراهية» لم ينتشر هكذا دون وجود قوة داعمة رافعة له لينتشر! حتى لو تمت المقارنة بين خطاب وإعلام الحكومات ونظيرتها «المعارضة»، في كل مكان في العالم، فإن الخط الفاصل هنا هو قدرة ذلك الخطاب على استخدام «الكذب» ليبقى صامداً، وإلا فإن نازية «غوبلز» المتمثلة في: «اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الناس»، هي ركن ظاهر لدى كل وسيلة إعلام أو خطابة أو ما ارتبط بأسلوب وتفكير وانحطاط جماعة «مخرخشهم»، وسواء كانت المعارضة صادقة أم الحكومة كاذبة، وسواء كانت المعارضة محترفة في أعلى مستوى كذب، والحكومات صادقة إلى أبعد درجات الصدق، فإن المجتمعات العربية والإسلامية في حاجة ماسة إلى حمل أمانة الكلمة والحق والدفاع عنها، ومواجهة الباطل وأهله وفق الآية القرآنية الكريمة: «ولا تلبِسوا الحقَّ بالباطِلِ وتكتموا الحقَّ وأَنتم تعلمون» (البقرة، 42).

على أية حال، فإن جماعة «مخرخشهم» هي أيضاً تدخل في نطاق وصف الباحث خالد كبير علال مؤلف كتاب «مدرسة الكذابين في رواية التاريخ الإسلامي وتدوينه»، على اعتبار أن مسيلمة الكذاب هو الجد الأكبر لتلك القبيلة، فالمؤلف يرى أن أولئك الكذابين شكلوا خلال القرون الثلاثة الهجرية الأولى تياراً فكرياً اجتماعياً طائفياً جارفاً تخصّص في اختلاق الأكاذيب، ولهذه المدرسة رجالها ومنهاجها وموضوعها وخصائصها وآثارها، لكن المهم هو فضحها ومقاومتها والتحذير منها وتطهير المجتمع من قذارتها.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *