علي محمود خاجه

مجددا… أزمتنا أخلاقية

كثيراً ما كنت أكتب في الماضي عن الإصلاحات السياسية معتقداً أنها هي المخرج من تردي الحال، إلا أني في كل يوم يمر تزداد قناعتي بأن الحلول السياسية وتقويم الوضع السياسي ما هو إلا تفصيل صغير يسبّب الحال السيئة، فأزمتنا أخلاقية وليست سياسية، وقد كتبت فيما مضى حول هذا الأمر، واليوم أعيد ما كتبت محاولا إثبات رأيي خصوصا في ظل تكرار المحاولات بأن الإصلاحات السياسية ستجعلنا في جنة، إليكم  بعض ما كتبت:
– نقبل بأن يكون لنا رأيان في قضية واحدة تتغير بتغير الأشخاص أو المواقع فقط، ونسمي ذلك مواءمة، ونتحجج بالظروف والمعطيات، وعندما يمارس الآخر أسلوبنا ذاته نعتبره نفاقاً ونردد الآيات والأحاديث في نقده.
– لا نبالي أن يعيش بيننا بشر بلا هوية ولا تعليم ولا صحة ولا سكن ولا وظيفة لمدة خمسين عاماً، ونكتفي بقول "خل يطلعون جناسيهم" وكأن الإنسانية مقرونة بجنسية وهوية، وفي نفس الوقت نطالب بإسقاط القروض عن المواطنين، ونستنزف أموال الدولة كي لا نثقل كاهل المواطنين مادياً، حتى إن كانت قروضهم من أجل سيارة فارهة وإجازة سياحية.
– نردد "ملّينا" من الفساد وتراجع الأحوال في البلد، وتفشي "الواسطة" والمحسوبية في كل القطاعات، ثم نعتبر من يخلص لنا معاملة أو يزوّر لنا عذراً طبياً أو يستثنينا من طابور، أو يعيننا في وظيفة يوجد من يستحقها أكثر منا بأنه "راعي نخوة وما قصّر".
– نرحب بكل شكل من أشكال القانون في الخارج، ونلتزم به أكثر من أهل البلد أنفسهم، وعندما يطبق علينا القانون في بلدنا نردد "شمعنى إحنا".
– نطالب بتعيين الكفاءات ونذهب إلى شراء الشهادات الجامعية من الخارج.
تلاشي الأخلاق مشكلتنا وأزمتنا، وما سبق مجرد شواهد على ما أقول، مشكلتنا أخلاقية بائسة لن تستقيم معها الحال، والأخلاق في تردٍّ وانحدار مستمرين، ولا نحرك ساكناً لتقويمها بل نعزز تلاشيها حتى نكمل تكوين الغابة قريبا.
كل السلوكيات التي نعانيها هي مجرد تفاصيل لأزمة حقيقية عنوانها الأخلاق، وتقويمها الأساسي هو التعليم والتربية، فالدولة تمتلك فرصة مقدارها الـ14 سنة الأولى من عمر الإنسان من رياض الأطفال إلى التعليم الثانوي نستطيع من خلالها أن نرسم، بل ننحت الهوية والأخلاقيات التي نريد على أبنائنا، فنشكّلهم كما نريد، لنقدم للدولة هوية أخلاقية حميدة لكننا لا نفعل، وكما هو واضح لن نفعل للأسف.

سامي النصف

تصويت الناصريين للسيسي وانسحاب صباحي!

 

كي لا تكرر القوى الناصرية خطأها الجسيم الذي ارتكبته في انتخابات الرئاسة السابقة عندما تحالفت بعض قياداتها كحال حمدين صباحي وحمدي قنديل وغيرهما مع الاخوان فنجح د.محمد مرسي بالرئاسة بأصواتهم ثم تنصلوا من ذلك الموقف وانقلبوا على مرسي كما انقلب عليهم، لذا نرجو الاتعاظ من تلك التجربة المرة ومنح أصواتهم هذه المرة للفريق السيسي.

***

ولا حكمة في ان يدعي احد انه ملكي اكثر من الملك أو ناصري أكثر من عائلة عبدالناصر التي اعلنت وقوفها مع الفريق السيسي، ان نجاح صباحي في انتخابات الرئاسة وهو من يدعي تمثيل الناصريين سيعيد تجربة أو مأساة د.محمد مرسي والإخوان المسلمين حيث ان الاخفاق اللاحق المتوقع لصباحي حال نجاحه في الانتخابات بسبب عدم خبرته او كفاءته الإدارية سينعكس بشكل سالب على الحركة الناصرية واسعة الانتشار هذه الايام في مصر، اما اخفاق الفريق السيسي الأقل احتمالا بسبب خبرته الطويلة في الادارة فلن ينعكس او يؤثر على الحركة الناصرية بل على المؤسسة العسكرية ان تم.

***

في هذا السياق ما صرح به الفريق السيسي حول اعتزامه الاعتزال فيها لو خرجت المظاهرات ضده كان الافضل الا يقال كونه سيعطي الاخوان المبرر لإبقاء حالة الفوضى واخراج المظاهرات المدفوعة اثمان البعض منها طوال فترة حكمه، اما وقد خرج التصريح فالواجب ايضاح حقيقة ان المظاهرات لا تسقط الانظمة في الديموقراطيات الغربية كقاعدة وعرف متوارث، فكل يوم تخرج مظاهرات ضد الرئيس أوباما وغيره من قيادات غربية دون ان يدفعهم ذلك إلى تقديم استقالاتهم، ان ما حدث في 25 يناير و30 يونيو بمصر هو استثناء تاريخي والاستثناءات لا يعمل بها كل يوم وإلا لأصبحت.. قاعدة!

***

آخر محطة: (1) الافضل للناصريين ان يعلنوا بشكل لا لبس فيه اصطفافهم مع السيسي وابتعادهم عن صباحي كي لا يتحملوا وزر اخطائه السابقة واللاحقة وعلاقاته التي ستتردى مع اغلب دول الخليج والعالم في حال انتخابه.

(2) بدأت بعض الاخبار تتواتر عن احتمال انسحاب مفاجئ للمرشح حمدين صباحي في القادم من الأيام وهو قرار تدفع الملايين ولربما المليارات لحدوثه كوسيلة لضرب الاستقرار ونشر الفوضى في مصر وسيرى كثيرون فيما لو حدث ان الترشح لم يكن منذ اليوم الاول إلا لإعلان هذا الانسحاب، لذا نرجو كذب تلك الاقاويل التي ستظهر حقيقتها الايام المقبلة والتاريخ يرقب ويكتب!

 

@salnesf

احمد الصراف

كرتون موز.. مع «مشمش»!

قصة خلطي، في مقال سابق، بين الخلال والكنار، ذكرتني بقصة طريفة أخرى، سبق أن تطرقت إليها في هذه الزاوية، ولا تضر إعادة ذكرها لطرافتها، ولدلالاتها الاجتماعية والسياسية العميقة، التي تبين كيف كانت، ولا تزال تدار، الأمور في أوطاننا، وقد أخبرتني بها الصديقة روينا إسحاق، التي كانت تعمل مساعدة تنفيذية لصديق كان يعمل في بنك الخليج، وكان ذلك في الثمانينات، وهي تعيش الآن منعمة في وطنها الغربي الجديد.
تقول روينا – نقلاً عن قريب لها كان يعمل سائق أجرة، وكان معروفاً بمهارته وإخلاصه في عمله – إن أحد محافظي العراق، في عهد صدام وبقية اللئام، اتصل بمحافظ، (قائمقام) آخر، وقال له إنه سيرسل إليه «كرتون» موز مع مشمش. كلّف المحافظ قريب السيدة روينا بتوصيل الهدية. وصل السائق إلى بيت المحافظ، وكان الوقت عصر يوم خميس. فتح له المحافظ الباب بنفسه، وسأله عما يريد فسلّمه هذا «كرتون» الموز، فسأله إن كان هناك شيء آخر، فنفى السائق ذلك. وهنا طلب منه الانتظار، ودخل بيته واتصل بالمخفر، وما هي إلا لحظات حتى حضرت سيارة شرطة اقتادت السائق الاشوري إلى الاعتقال من دون كلمة من أي طرف.
بعدها بعشرة أيام تقريباً اتصل المحافظ الأول بالثاني لأمر ما، وسأله، في سياق الحديث، إن كان استمتع بالموز، فشكره الثاني عليه، ولكنه أردف قائلاً إن الهدية وصلت ناقصة، حيث سرق السائق «البواق» كرتون المشمش، ولم يسلمه إلا الموز! فانفجر المحافظ الأول ضاحكاً، وقال إن «سوء فهم» قد حصل، وإنه لم يرسل إليه مشمشاً، بل كان يقصد أنه سيرسل له كرتون موز مع السائق.. أما «مشمش»، فهذا كان اسمه، وكان شهيراً به!
كان من الممكن أن يبقى مشمش المسكين في سجنه حتى اليوم، من دون أن يعرف لا هو ولا أحد غيره سبب سجنه، لولا تلك المكالمة التي تسببت في إطلاق سراحه.
ذكرتني هذه الطرفة بأخرى تتعلّق بزوجة دكتاتور عراقي – وما أكثرهم! – سمعت بمدرس لغة إنكليزية مميز، فطلبت من زوجها أن يفصله من عمله، ويلحقه بالقصر الرئاسي لتدريسها وأبنائها اللغة الإنكليزية! وهنا اتصل الدكتاتور بسكرتيره وقال له بلهجة آمرة: «ابحثوا عن مدرس اللغة الإنكليزية فلان، وافصلوه من عمله، وأحضروه لي»!
بعدها بأيام ذكّرت الزوجة الدكتاتور بأن المدرس لم يصل، فقام هذا بالاتصال، غاضباً، بسكرتيره وصاح به: وين هذا المدرس؟ فرد هذا قائلاً، بكل ثقة: لا تدير بالك يا سيدي، لقد وجدناه، وقمنا بالواجب، واعترف بأنه جاسوس، وتم إعدامه!

أحمد الصراف