مبارك الدويلة

هيهات منا الذلة

منذ اتفاقية سايكس بيكو في مطلع القرن الماضي وتوزيع البلاد العربية تحت هيمنة النفوذ البريطاني والفرنسي والإيطالي، والأمة تعيش في ذلة ومهانة لم يسبق لهما مثيل، واكتملت المأساة في عام 1924، عندما أعلن أتاتورك سقوط الخلافة الإسلامية إلى غير رجعة! وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الشعوب العربية تتحرر من أغلال الاستعمار الغربي، باحثة عن الحرية الغائبة منذ عقود، لكنها وقعت في شراك استعمار من نوع آخر، حيث حكمتها أنظمة ليبرالية لا تقل سوءاً عن الحكم الغربي، فشاهدنا ظاهرة الحكم الفردي المستبد، من أمثال بورقيبة وعبدالناصر وغيرهما، وفتحت السجون للكفاءات من أبناء الوطن، وعقدت المحاكم الصورية، والتهم المعلبة، ونصبت المشانق لأصحاب الرأي المخالف، وتحول الشعب إلى مخابرات وأمن دولة، وأصبح الوطن سجناً كبيراً لكل من فيه! واستمرت هذه الحالة قرناً من الزمان أو يزيد، حتى وصل الفساد إلى جميع مرافق الدولة، ووصلت الحالة النفسية إلى وضع لم يعد يحتمل، فثارت الشعوب ثورة رجل واحد على الطغيان، وتبين أن هذه الأنظمة البوليسية ليست إلا أجساداً من كرتون لم تلبث أن تطايرت مع أول انتفاضة شعبية، فكانت ثورات الربيع العربي التي اقتلعت الدكتاتوريات إلى مزبلة التاريخ. متابعة قراءة هيهات منا الذلة

سامي النصف

إشكال مصر ليس بالقصر!

إن كنا ومثلنا الأغلبية المطلقة من الشعب المصري قد دعمنا المرشح عبدالفتاح السيسي، إلا أننا لا ندعي للحظة أن بيده مفتاحا سحريا لحل كل إشكالات مصر المتعاظمة والذاهبة إلى المزيد من التعقيد مع كل يوم يمر، فما نقوله هو أنه أفضل بكثير من منافسة على الرئاسة، وأفضل ممن سبقه والذي أساء لما يمثله بأكثر مما يستطيعه أعدى أعداء ذلك التوجه السياسي.

***

فمشكلة مصر مرتبطة بالشارع وليس بالقصر، وأولى تلك الإشكالات الكبرى هي «الانفجارات السكانية» على أرض محدودة الموارد يتم فيها توفير الخدمات التعليمية والصحية بالمجان، كما تتعهد الدولة بتوظيف الجميع، ويتم تقديم الخبز والكهرباء والماء بأسعار زهيدة تتحمل كلفتها الحقيقية ميزانية الدولة ذات العجوزات الضخمة، إضافة الى حقيقة أن الشرائح الأسرع تكاثرا هي الأقل اهتماما بالتربية والتعليم والتدريب مما ينتج عنه وجود أعداد بشرية وافرة غير منتجة وتشكل عبئا كبيرا على الدولة المصرية.

***

ويزيد الطين بلة مجموعة إشكالات غير مسبوقة في تاريخ مصر، منها تناقص مياه النيل بشكل كبير ومتوقع أن يبدأ أوائل عام 2016 كنتيجة لانتهاء أعمال سد النهضة الحبشي وتجميع المياه خلفه، مما يجعل مصر مهددة خلال عامين من تولي المشير السياسي الرئاسة بالعطش والتصحر والظلام، ومن الإشكالات انتشار العمليات الإرهابية المدعومة هذه المرة من جماعات سياسية رئيسية تضم أعدادا كبيرة من الأتباع، وتحظى بدعم دول كبرى بعكس العمليات الإرهابية السابقة التي كانت تقوم بها مجاميع صغيرة يمكن السيطرة عليها.

***

وبسبب الإرهاب ونقص الطاقة قد يحجم بعض المستثمرين والسائحين عن القدوم لمصر مما سيضاعف حجم المشاكل الاقتصادية ويشكل ضغطا على سعر صرف الجنيه في بلد يستورد كل شيء، يضاف الى ذلك موروثات العهد الاشتراكي من عدم اتقان الجموع لحرفها وعدم الرغبة في العمل لساعات طوال في ظل العولمة، حيث تتوافر البدائل الأكثر جودة والأرخص سعرا من دول العالم الأخرى وعلى رأسها الصين ودول شرق آسيا.

آخر محطة: (1) نرجو ألا تضطر أو ترغم مصر مستقبلا على التورط في حروب خارجية ضد اثيوبيا كنتيجة للضغط الشعبي وأخرى ضد بعض الجماعات المتطرفة في ليبيا تزامنا مع حرب ثالثة ضد الإرهاب بالداخل.

(2) الانخفاض المتوقع في الحقبة القادمة لأسعار النفط والغاز سيضر مصر بشكل مزدوج، فمن ناحية سيخفض من دخلها كونها دولة مصدرة للنفط والغاز وسيحد في الوقت ذاته من الدعم الخليجي.

(3) تعلمنا تجارب المنطقة أن إبقاء حالة الفوضى وعدم الاستقرار يقتضي تقوية الطرف الضعيف وإضعاف الطرف القوي، لذا لابد أن نشهد في المستقبل القريب عودة قوية للقوى المعادية للمشير السيسي بعد انتصاراته السياسية الساحقة الأخيرة.

 
@salnesf

 

 

سعيد محمد سعيد

وإن «تتركه»… يلهث!

 

يبدو أن هناك نماذج من الكتاب والإعلاميين والصحافيين والنواب والناشطين والخطباء وجوقة طويلة عريضة من الفاشلين في المجتمع، يُصابون بـ «اللهاث»، إن حملت عليهم أو تركتهم.

هؤلاء أصبحوا من حسن الحظ في غاية الانكشاف بالنسبة لأبناء المجتمع البحريني الذين لم تعمهم موجة الرمد الطائفي.

يصابون باللهاث والهلع والفزع إن وجدوا الأزمة في البلاد مشتعلة وفي أوار ولهيب متصاعد، فيظهرون وكأنهم حماة الوطن الذائدين عن حياضه! أيضاً، يُصابون باللهاث والهلع والفزع بدرجة أشد من الأولى إن تبادر إلى مسامعهم، ولو من باب الشائعات والتحليلات السياسية المجوفة، بأن هناك مساراً للحل! إن تحمل عليهم أو تتركهم فهم في حالة لهاث دائم.

قد يكون من البديهي القول أن حالة «التحليل العبقري» وطرح الآراء وتبادل المعلومات واللطائف السياسية بين الناس في ظل الأزمات، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية، هي حالة طبيعية تدخل تحت عنوان «التنفيس»، لكن هناك نكتة سياسية محبوكة حبكة فكاهية لطيفة ذات معنى كبير وصائب، وقد يضحك بسببها حتى زعماء الدول والجمهوريات الذين يتعرضون للنقد بينهم وبين أنفسهم في السر. وهناك نكات وطرائف وخزعبلات وممارسات من نوع «السيلان اللاإرادي»، تكشف أن من كان يعتاش على الأزمات مدعياً حب الوطن، لا يمكن أن يعيش فكرة إيجاد حل لتلك الأزمات.

ومن السيء للغاية، أن يبقى المجتمع البحريني مصاباً بلوثات وهوس ذلك النوع من الكتاب والإعلاميين والصحافيين والنواب والناشطين والخطباء والجوقة العرجاء المضحكة، فتارةً تجعل الأتباع يصفقون مع الجوقة، وتارةً يبكون معها، وتارات يهددون ويتوعدون معها، مع أن الجوقة وأتباعها يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم مجرد (صفر) على الشمال، حتى ولو أقنعوا أنفسهم بأنهم رقم صعب في معادلة سياسية صعبة.

والمجتمع البحريني، حاله حال الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، يستقبل الناس فيه التحليلات والمعلومات والأخبار، سواءً كانت حقيقة أم لا، وسواء وافقت الذوق السليم أم لم توافقه، فالأمر سيان بالنسبة لدى البعض الذي لا يرى فيها ما يسيء إلى شخصه الكريم، ولا يرى فيها إساءة إلى الشخص المرسل إليه، وسواءً كان المرسل أو المتلقي رجلاً أم إمرأة، مراهقاً أم رجلاً ناضجاً، تسقط حدود الأخلاق طالما هي: كذبة سياسية، هجمة طائفية، نكتة سياسية، فلا ضير من أن يضحك الناس!

لا بأس، بيد أن هناك تطوراً لافتاً في استخدام الوسائط الحديثة والرسائل الإلكترونية بأنواعها وتصاميم الجرافيك التي يعصر فيها (المبدع) رأسه وفنه لينتج عملاً مثيراً للضحك يرسله إلى آلاف الناس، ويقوم الآلاف بإرسالها إلى آلاف آخرين، وهكذا تكبر خانة ألوف الألوف، لكن قلة هم أولئك الذين تتوقف لديهم الرسالة فيتأملون فيها بالقراءة المتأنية أو الاستشارة المفيدة في معرفة ما ينفع.

بالنسبة للمصابين بالهلع والفزع الظاهري المصطنع في الأزمات بمواقفهم المزيفة، وهم ذاتهم المصابون بالفزع الحقيقي حين يستشعرون بصيص أمل لحل (ما)، هم ذاتهم كما حدث مع الحاشية في هذه القصة: يحكى أن حاكماً كان في رحلة صيد مع نفر من حاشيته، وبينما هم يبحثون عن الطرائد، رأى الحاكم أرنباً يركض فأخذ بندقيته ورماه لكنه أخطأ الهدف! فقال أحد أفراد الحاشية من المنافقين: «سبحان الله! لأول مرة أرى أرنباً يركض وهو ميت».