د. شفيق ناظم الغبرا

الدولة الأمنية العربية: تساؤلات للنقاش

هناك حادثة لصديق لبناني وقعت معه عندما كان في الرابعة عشرة في العام ١٩٦٩: فقد شارك في تظاهرة احتجاج سلمية في مدينته بيروت، وما كان من رجل الأمن إلا أن صوب بندقيته على الطفل المتظاهر عن بعد لا يتجاوز أمتار قليلة، فأنتهى الأمر بإصابته في رأسه وكتفه بطلقات عدة، هذه الحادثة، التي لم تقتل صديقي، تحكمت بمسيرة حياته وحولته الى فكرة الثورة وأفكار الحرب التي ستندلع في لبنان لست عشرة سنة متتالية. كل عنف نراه في مشهدنا العربي له مسببات، وكل عنف يبدأ بحادثة قامت بها جهات تمتعت بالسيطرة وضخمت من خطر التجمع والتظاهر السلمي وبررت لنفسها أسوأ التجاوزات من دون دراية منها بأنها تقود الوضع لأسوأ ردود الفعل. في عالمنا العربي يكفي لحادثة تعذيب أو ظلم وانتهاك تقوم بها أجهزة رسمية يفترض فيها ان تكون المدافع عن الناس لخلق شخصية تقدس العنف وربما الثورة، في الحالتين المجتمع والدولة هما الخاسر الأول. إن الأجهزة عندما تفتح الباب للانتهاكات وتهمل الإجراءات الإنسانية في استخدام قوتها تغامر وتقامر بمصيرها، هكذا تخلق إرهابيي الغد وثوار ما بعد الغد. متابعة قراءة الدولة الأمنية العربية: تساؤلات للنقاش

محمد الوشيحي

الضباع لا تدرّسكم الفضيلة

خدعوك فقالوا: “وسائل الإعلام والمدارس تربّيان المجتمعات”. هذا صحيح، لكن في الدول المحترمة (نقصد بالدول المحترمة؛ الدول ذات الحكومات المحترمة والأنظمة الديمقراطية الحقيقية)، أما في عالم العربان فالمربية الوحيدة هي السلطة. نقطة.
السلطة، في عالم العربان، بيدها كل شيء؛ وسائل الإعلام (مع بعض الاستثناءات المقموعة)، والمدارس بمناهجها وقياداتها، والأموال العامة، والمناصب، والثوم والبصل والقثاء… لذا فالسلطة وحدها هي المربية. متابعة قراءة الضباع لا تدرّسكم الفضيلة

حسن العيسى

وصفة السلطان التقي

أفضل وصفة لحكام الاستبداد لإلهاء الشعوب عن قضايا البؤس التي تعانيها هي طرح ورقة الدين، أي العقيدة، في سوق المتاجرات السياسية، وعبر ذلك الإلهاء السياسي تصرف الشعوب عن واقعها وهمومها طالما أضحت قضيتها الكبرى الوضع في الآخرة وليس الهم الدنيوي المعيش من فقر وبؤس للشعوب وفساد يرتع فيه الحكام.
سلطان بروناي، أحد أغنى أغنياء العالم، اكتشف، فجأة، سر ترياق تطبيق الشريعة الإسلامية في مملكته الصغيرة، فهذه السلطنة التي لا يتجاوز عدد سكانها 400 ألف نسمة تحيا في بحبوحة مالية بسبب قلة عدد السكان ووفرة الإنتاج النفطي والغاز الطبيعي، والدولة تتكفل بكل صغيرة وكبيرة للمواطن، فهي دولة "رفاهية" كاملة توفر للسكان العلاج الطبي والتعليم المجاني، وتعد معدلات الدخل الفردي فيها من أعلى المعدلات، إلا أنه في السنوات الأخيرة انخفض احتياطي تلك الدولة من الغاز والنفط إلى النصف، وتراجعت التنمية سلباً، عندها وجد السلطان مفتاح "الهداية" حين قاربت سنوات "بندروسا" على النهاية، وقرر تطبيق الحدود من قطع يد وجلد ورجم فجأة، فهذا الشرع كما يقول السلطان حسنال أمر الله وليس أمرنا، ونحن لا نملك مخالفته…! ولا يهم عند السلطان اعتراضات منظمات حقوق الإنسان طالما هو يطبق الشرع، لاغياً النظام القانوني السائد القائم على التراث الإنكليزي.
سلطان بروناي جهز "الدوا قبل الفلعة" بالمثل الكويتي، بمعنى أنه استعد مقدماً وتحوط قبل أن يقع الفأس بالرأس ويتحرك الشعب الصغير معترضاً على تدهور الوضع المعيشي، فربما يخرج من المعارضين، في تصور السلطان وفقهائه، قوى جهادية، هي بدورها تريد احتكار شعار تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية، فينبت على أرض السلطنة داعش "بروناويي" و"بوكو حرام" شرق آسيوي، فلماذا ينتظر السلطان الثوار المحتملين بجهلهم المطبق ووحشيتهم في زلزلة أركان حكمه؟ فليقطع عليهم الطريق، مرتدياً ثياب الواعظين المتقين.
قبل هذا السلطان، كان لنا أكثر من سلطان تقي في صحراء العروبة، فجعفر النميري جرب، وقطع أيدي فقراء اتهموا بالسرقة، ربما سرقوا لأنهم جاعوا، لكن في النهاية ازيح النميري عن الحكم برجاحة عقل سوار الذهب، ثم كان لدينا "الرئيس المؤمن" أنور السادات، حين عدل من الدستور بجعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وضرب القوميين واليساريين بعصا الإسلاميين، لكن مزايدة الرئيس المؤمن على العقيدة، لم تنجح وقضى نحبه برصاص خالد الإسلامبولي، فهل يتعظ سلطان بروناي ويتأمل قليلاً في حروبنا الدينية، فهي معارك من أجل السلطة والثروة لا غير، لا مكان فيها للاتقياء الورعين؟

احمد الصراف

بوكو حرام

قامت جماعة «بوكو حرام» الإسلامية المتطرفة في نيجيريا، قبل شهر تقريبا باختطاف عدد كبير من الفتيات المراهقات من سكن طلابي، ولا يعرف حتى الآن عددهن بشكل دقيق، ويقال إن عددهن يتراوح بين 170 و230، وأضيف لهن عدد آخر خُطفن قبل أيام قليلة من المنطقة ذاتها في شمال شرق نيجيريا. و«بوكو حرام» تعتبر تعليم الفتيات، أو التعليم على الطريقة الغربية حراما، وهو ما يعتقده المتشددون في الكثير من الدول، ومنها أفغانستان وباكستان والصومال وغيرها.
وبالرغم من خطورة القضية، وما أشيع من أن «بوكو حرام» هرّبت الفتيات إلى الكاميرون وتشاد، حيث عُرضن للبيع في مزاد علني لمصلحة الجماعة الإرهابية، وربما تعرّضن للاغتصاب قبل البيع، أو أُجبرن على الزواج من خاطفيهن، كما نُقل عن مراقبين حضروا حفلات زواج جماعية على حدود نيجيريا مع دول أفريقية مجاورة. ويقال إن ثمن البيع لم يتجاوز في الغالب 25 دولارا للفتاة.
وتقول الكاتبة السعودية هتون الفاسي إن نيجيريا، الغنية بالنفط، وعضو «الأوبك» التي تمتلك ثروات طبيعية ومعدنية وزراعية لا تقدَّر بثمن، تشكو من الفقر وضعف التنمية والفساد الذي يمتص ثرواتها على اثر فترة استعمارية بريطانية استمرت قرناً من الزمان، حتى عام 1961. وتتزايد حالة الفقر فيها وتضعف التنمية كلما اتجهنا للولايات المسلمة شمالا، والتي تعاني البطالة والفقر بخلاف الجنوب المسيحي. ونظراً لتعامل الحكومة النيجيرية العنيف القريب من الوحشية مع «بوكو حرام» تتفاقم المشكلة وتضعف الثقة في الحكومة. مما جعل الفئات المتطرفة تقرن المسؤولية عن سوء الأحوال المعيشية في ولايات بورنو وما جاورها في الشمال والشمال الشرقي، بملة المستعمر السابق ودينه وكل ما يتصل بالغرب، لاسيما التعليم، الذي يرون أنه مصدر فساد ومصدر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الذي يريدون استبدال التعليم التقليدي الإسلامي به.
والآن هل من المستغرب عدم تجاوب العالم، بما يكفي، مع مشكلة قيام جماعة دينية متطرفة بخطف الفتيات وبيعهن في سوق النخاسة؟ ألا يعود ذلك، ولو في جزء منه، ربما إلى شعور المجتمع الدولي بأن ما قامت به «بوكو حرام» لم يخرج تماما عن سابق تقاليد المنطقة الإسلامية، والتي لم تلق حتى الآن ما يكفي من رفض وتحريم من الجهات الدينية؟ الجواب عند «علمائنا»!.

أحمد الصراف