طارق العلوي

كتاب استقالة

«المكرم سمو الشيخ جابر المبارك.. رئيس مجلس الوزراء الموقر؛
تحية طيبة وبعد،،،

لا أجد خيارا آخر سوى ان أضع بين يديكم كتاب استقالتي من حكومتكم التي حظيت بشرف العمل فيها خلال الفترة الماضية.
أذكر جيدا ذلك اليوم الذي عرضت علي حقيبة الوزارة، وكانت الصورة واضحة جلية أمامي، فالمناورات السياسية بين عدة أقطاب كانت على أشدها، ولم يخف علي ان أي حكومة تعمل في مثل هذه الأجواء ستكون حكومة تكتيكات سياسية وصراع من أجل البقاء، أكثر منها حكومة تنمية واستقرار سياسي.
لكني، كمواطن كويتي أولا، وكمسؤول في الدولة ثانيا، لم أستطع التغاضي عن المعلومات التي أملكها حول ما يتهدد الكويت من خطر وشيك.
لن أتطرق الى الاختلالات الأساسية في اقتصادنا، والتي طالما حذر منها الخبراء والمستشارون في الحكومة، وامتلأت بها توصيات البنك الدولي وصندوق النقد، وأشبعها شرحا تقرير توني بلير وقبله تقرير ماكنزي.
بيد ان الحقائق التي تكشفت لي أخيرا جعلتنا في مأزق لا يمكن السكوت عنه.فقد توصلت حساباتنا الى أنه، خلال الاثنتا عشرة سنة الماضية، أخذت ايرادات الدولة تنمو بمعدل %16 سنويا، بينما ازداد الانفاق، خلال نفس الفترة، بمعدل %20 سنويا.ما يعني أنها مسألة وقت قبل ان يلتهم الانفاق جميع ايرادات الدولة.
وقد قمنا باجراء حسابات اقتصادية دقيقة، باستخدام أرقام متفائلة، فوجدنا ان الانفاق المتزايد سيقضي على ايرادات الدولة بحلول السنة المالية 2017/2016، حيث ستحقق الدولة عجزا في الموازنة العامة، ويبدأ بعدها هذا العجز بالتزايد بشكل تصاعدي.
وعندها ستبدأ الدولة بالسحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، والذي سينفد بعدها سريعا.
سمو الرئيس، لقد لامني البعض على قبولي دخول التشكيلة الحكومية في مثل هذه الأوضاع الملتهبة.لكنه قرار لم أندم عليه لايماني بأن واجبي تجاه الكويت يحتم علي المشاركة والاصلاح من الداخل، بدلا من مشاهدة الاقتصاد ينهار أمام ناظري والاكتفاء بتوجيه اللوم للآخرين.
وقد شجعني على قبول الحقيبة الوزارية كلمة سموك حين أبديت، في أكثر من مناسبة، عدم رضاك عن أداء الحكومات السابقة وأنك تبحث عن وزراء يفكرون كـ«رجال دولة»، لديهم رؤية ورغبة بالاصلاح والتنمية، ولا يأبهون بالألاعيب السياسية أو المناورات والاستجوابات الكيدية.
سمو الرئيس، لم أكن انسانا غرق في أحلامه الوردية حين قبلت شغل هذا المنصب، لكني كنت أرجو ان أعمل ضمن حكومة ينشغل بعضها في المناورات السياسية، بينما يتفرغ آخرون للانجاز المهني والفني بما يخدم خطة التنمية.
الا أنه سرعان ما خاب ظني وأنا أشاهد المد السياسي يغمرنا جميعا، ويدفعنا لاتخاذ قرارات متعجلة، حول الزيادات والدعم، تحقق مكاسب آنية لكن من شأنها احداث «طوفان» من الآثار السلبية المستقبلية.
ويكفي ان أكشف لسموك بأن الرواتب قد تضاعفت، خلال الثماني سنوات الماضية، بنسبة %325، بينما ارتفع الدعم بنسبة %555. وأترك لسموك تخيل الى أين تتجه الكويت بمثل هذه الزيادات الفلكية في الانفاق سنويا.
هذا وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
تلك كانت رسالة استقالة نسجتها من وحي الخيال، وضمنتها حقائق اقتصادية وأرقاماً نشرها وزير المالية السابق، الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، في تقرير كتبه، ولم أر أنه نال الاهتمام الذي يستحقه.
وها نحن نضع هذه الاستقالة «الوهمية» بين يدي سمو رئيس مجلس الوزراء.. وتحت تصرفه.
٭٭٭
سمردحة: ما يهذري المهذري الا من حر.. «الاستقالات»!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *