د. شفيق ناظم الغبرا

كويت العصر الذهبي… كيف كانت؟

عندما يتساءل الناس والشباب عن العصر الذهبي للكويت تأتي مع هذا التساول جملة من الصور المختلفة من واقع اليوم. أحياناً يتساءل الجيل الجديد: كيف كان حال الكويت في ذلك العصر وكيف كان حال الكويت مختلفاً؟ قد لا تستطيع الأسئلة في هذه المرحلة أن تجيب عن الأساس الذي أعطى الكويت ألقاب مثل لؤلؤة الخليج أو درة الخليج وأعطى فرقها الرياضية وريادتها التعليمية صفة النموذج لشعوب شتى في منطقة الخليج. وكان ذلك عصر خاص تميّزت فيه الكويت عن غيرها، لأنها حكمت العقل والمنطق والطموح في كل شيئ كما حكمت الحكمة والإبداع في قراراتها وطرق بناء فرقها. العصر الذهبي للكويت يعني أن الكويتيين كانوا منفتحين على ذاتهم وعلى العلم والعمل وعلى الجديد بأنواعه كلها. كانوا من بين العرب مجددين، مكتشفين، مقبلين على العالم الذي يتشكل من حولهم بلا خوف أو تردد أو تقييد. في العصر الذهبي كانت التنمية أولوية تنفيذية قبل أن تكون أولوية كلامية، وكان التعليم والتجديد والانفتاح والانعتاق من القيود ممارسة دائمة. وكان هذا العصر بالتحديد عصر ثقة بالنفس وثقة بالمستقبل وتبنٍ للكفاءات والقدرات كلٌ في مكانها وكلٌ في مجالها. لقد اكتسب ذلك العصر لقبه الذهبي، لأنه التزم أولاً بمشروع الدولة وبإنشاء الدستور، بالانفتاح على الآخر، أكان عربياً أو عالمياً، وبمعايير الإنجاز عبر إنشاء البرلمان وبناء المؤسسات وتحديد الصلاحيات. في الزمن الذهبي تصالحت الكويت مع نفسها ومع العالم لتنتج الكثير من الجديد.
نتساءل: ماذا حصل عبر العقود؟ وكيف أخذت دول ومدن أخرى السياق ذاته والفكرة ذاتها عن التنمية والانفتاح والتعليم مع أقلمتها لأحوال الألفية الثانية؟ نتساءل: هل وقع التراجع عن ذلك العصر بسبب جمود الفكر، أم جمود الأجهزة، أم لأننا اكتفينا بما أنشأنا في الماضي، أم لأن غزو عام 1990 سبب لنا من الدمار والخوف من الآخر ومن الإبداع ما لم يسببه عامل آخر؟ أم إننا وجدنا في الصراع السياسي والانغلاق وسيلة أسهل للتعامل مع ضغوط الواقع؟ أم وجدنا في رفض الآخر فينا وفي غيرنا، سواء كان هذا الآخر عربياً أو أجنبياً، طريقة لتبسيط  ما يدور من حولنا كله؟ يقال إن المجتمعات التي تتعرض إلى ضربات كبيرة، كما حصل عام 1990، ولهزات سياسية واجتماعية كثيراً ما تتغير، فتبدل روح التفاؤل بروح التشاؤم والاحتجاج الدائم والتذمر. العصر الذهبي في الكويت كان عصر مبادئ وأفكار جديدة وإدارة صائبة، إنه عصر تساؤل وبناء، فماذا حصل له؟
من يبحث في صور تلك المرحلة، وفي طريقة إحياء الحياة والتعامل مع البيئة وتفاعل الناس يكتشف عالماً مختلفاً مر علينا وترك أثراً ووجوداً. كانت الكويت أكثر انفتاحاً، وكانت مظاهر الناس تدل على ثقة وتفاؤل واهتمام كبيرين بالمضمون على حساب الشكل. لم يكن هناك من يمنع استقدام من يغني من أجل أداء، ولم يكن هناك من يتدخل لإيقاف نص مسرحي أو منع عرض مسرحية، لم تكن هناك أزمة معرض كتاب ولم يكن هناك من ينادي بحذف هذا الشعر أو ذاك المقطع من كتاب للأدب العربي في مدارس الكويت، وذلك خوفاً من أن يعرف الطلبة والطالبات شيئاً إيجابياً عن تراثهم الأدبي والشعري، ولم يكن هناك ذلك الخلاف على اختلاط الطلبة بالطالبات في الجامعات، ولم تكن هناك أزمة شيعة وسنة أو سنة وسنة أو شيعة وشيعة أو متدينون وغير متدينين. كان فكر الناس مقبلاً على الجديد وأكثر احتراماً للمختلفين عنهم. كانوا يريدون أن يكونوا أفضل من الغرب والشرق وأفضل من كل مكان على المعمورة، كان الطموح يحركهم ليكونوا أكبر منه.
إن وجود هذا التاريخ يدعونا إلى التواصل معه ولإعادة اكتشافه. أن يكون في ماضي الكويت تلك الحقبة من التجديد يعني أن الكويت بإمكانها أن تتواصل مع ذلك الماضي. فهناك في الكويت من الأسس التي تسمح بالعودة إلى المشروع الذي بدأ في الستينات وانطلق في السبعينات. على مدى أكثر من عشرين عاماً تفاعلت الكويت مع التنمية والانفتاح، فما الذي يمنع حصول هذا التواصل اليوم كمدخل للخروج من المأزق الراهن بين المجلس والحكومة وبين الحكومة والحكومة والمجلس والمجلس وبين الدين والدولة وبين التعليم والتنمية؟ إن ما وقع قبل أربعين عاماً يؤكد عدم وجود تناقض بين المسلمين والتنمية، وبين الإسلام والانفتاح، بل يؤكد وجود إمكانية لتقديم عقارب الساعة إلى الأمام لصالح التواصل مع تلك المرحلة. إن تلك المرحلة هي الوحيدة التي تستطيع أن تعطينا بوصلة واضحة لطريقة التعامل مع المرحلة المقبلة.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *