علي محمود خاجه

حل الكويتيين

في يوم الاثنين الماضي ومع بداية المنتدى الاقتصادي الإسلامي في الكويت مارست وزارة الداخلية ومن دون سابق إنذار حل الكويتيين السابق ذكره في تطويق الطرق وإغلاقها، مما أدى إلى الشلل التام في حركة المرور مساء الاثنين، فقد أغلقت «الداخلية» بعض الطرق الرئيسة كطريقي الدائري الخامس والسادس، مسببة بذلك تعطيلاً للمرور تجاوز ثلاث ساعات لبعض قائدي المركبات، ونحمد الله أن هذا الإغلاق لم يكن متزامناً مع حظر استخدام الهاتف النقال في السيارة وإلا لكانت المصيبة أعظم.

لن أناقش في هذا المقال الحلول التي كان يستوجب أن تقوم بها «الداخلية» بدلا من هذا الحل الغريب الذي مارسته في ذلك اليوم، كتخصيص إحدى الحارات في الطرق للمواكب مثلا أو على الأقل الإعلان المسبق وبأيام عن الطرق المغلقة، فما حدث من «الداخلية» لا تلام عليه الوزارة، بل هو يعكس حال البلد بشكل عام، فالحكومة عاجزة عن أبسط الأمور وهي استقبال وفود كبيرة في الكويت بانسيابية ومن دون صخب.

إن ما قدمته الحكومة من خلال «الداخلية» في الأيام الماضية هو مثال صارخ على امتهان الدولة للحلول الترقيعية على مدى السنوات الطويلة الماضية، ولن تنصلح هذه الحال ما لم تواجه بصرامة شعبية من خلال قرار جذري ضخم في 17-5.

خارج نطاق التغطية:

لا ألوم اثنين من شباب الكويت الذين غُرّر بهم ليقوما بممارسة الإرهاب والعنف الذي أودى بأرواحهما في العراق في الأيام القليلة الماضية، فمن يستحق اللوم، وليس اللوم فحسب بل أشد العقوبات، هم من خدعوهما في الكويت تحديداً، وأوهموهما بصحة ما يقومان به، فقد ساهموا بقتل تلك الأنفس المفعمة بالحياة والحماس، فمن خدعوهما وأدوا إلى إزهاق أرواحهما كمرّوجي المخدرات بالضبط، فإن كان المروج يستحق الإعدام فهؤلاء يستحقون أيضا الإعدام العلني، والكل يعلم من أقصد، هؤلاء الذين تفتح لهم الصحف ليبرروا جرائمهم بادعاء الجهاد من دون حسيب أو رقيب.

سامي النصف

الحكومة الائتلافية القادمة

ما أهم دروس تشكيل حكومة 2006 التي يمكن تفاديها في الحكومة المقبلة؟

درسان مهمان: الأول هو عدم اقصاء أي طرف من الاطراف الفاعلة على الساحة السياسية المحلية، فمصلحة الكويت والظروف المحيطة تقتضي هذه المرة وأد الخلاف وطلب مشاركة الجميع في الحكومة ومن يرفض من الكتل او خارجها يجب ان يعلن سبب رفضه ويتحمل مسؤوليته امام الشعب والتاريخ عن اي ازمات واستجوابات قادمة.

الدرس الثاني هو ان كثرة المشاورات تضيع الأوقات الثمينة وتصبح اقرب لـ«عدم المشاورات» حيث ان الكلام يضيع الكلام، وما يوصي به طرف يلغيه طرف آخر، والواجب ان يوضع هذه الايام وفي هذا الوقت المبكر تصور واضح لكيفية تشكيل الحكومة القادمة وشخوص المشاركين فيها، فالانتخابات تجري في النهاية على مستوى فردي ولن يكتسح على سبيل المثال الحزب الشيوعي الكويتي الانتخابات حتى ننتظر النتائج لتسليمه مقاليد الحكم.

ونرجو ان تتضمن الاسماء القادمة كثيرا من رجال القطاع الخاص المتحررين من البيروقراطية الحكومية ممن يفرض «الواجب الوطني» عليهم المشاركة دون وضع مطالب تعجيزية او تقديم مطالب مالية لا تتحملها جداول رواتب القطاع العام كما حدث في الماضي القريب، من جانب آخر يجب الوصول الى اتفاق واضح ومعلن مع كل النواب لاعطاء الوزراء فرصتهم كاملة للعمل وخدمة الوطن، لا التسابق على استجوابهم وتعطيل اعمالهم.

كما نريد هذه المرة «حكومة ناطقة ذكية»، والاثنان مرتبطان ببعضهما البعض، فالذكاء الفطري والتفوق او التميّز يؤهلان الوزير المعني لمقارعة الحجج بالحجج والرد على الاتهامات النيابية والاعلامية – وما اكثرها – والشعب الكويتي ذكي ولماح ويستطيع عند سماع الرأي والرأي الآخر ان يميز الغث من السمين وان يعرف الحق من الباطل.

وقد اثبتت تجربة وزارة 2006 صدق مقولة «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض» فالتضحية المبكرة باحد الوزراء جعلت السبحة تكرّ ومن ثم يتسابق النواب لاقامة «عروسهم الديموقراطية»، كما تسمى الاستجوابات، عبر اقتناص الوزراء الواحد تلو الآخر بحق او بباطل حتى وقفت لهم «السيدة الحديدية» نورية الصبيح، ولو اظهرت الحكومة العين الحمراء مع اول استجواب كيدي وهددت بالاستقالة ومن ثم احتمال حل المجلس الجديد لوفرنا معاناة سنتين من الازمات الطاحنة المتلاحقة.

ومن متطلبات الانجاز التنموي المعروفة ديمومة البقاء في المنصب ولا شك في أن الحكومة الحالية تضم عددا كبيرا من الوزراء الاكفاء الذين تفترض المصلحة العامة بقاءهم في مناصبهم لاكمال العمل الخيّر الذي بدأوه، كما تضم الحكومة على الجانب الآخر للعملة وزراء ضحوا بسمعة الحكومة لاجل مصالحهم الذاتية ولحفظ خطوط الرجعة لهم مع بعض التوجهات السياسية رافعين شعار «لا أرى، لا اسمع، لا أتكلم» امام انتقادات مست صميم عملهم، متناسين ان صلب العمل السياسي في الدول الديموقراطية يقوم على معرفة حقيقة انه «اذا كان السكوت من فضة فالكلام من ذهب» وليس العكس.

آخر محطة:
وهناك حاجة ماسة لوزير دولة لشؤون مجلس الامة برغماتي ومتمكن من نصوص الدستور وقادر على الحشد والاقناع كحال الوزيرين السابقين والمستشارين الحاليين ناصر الروضان ومحمد ضيف الله شرار.

احمد الصراف

علاقة الموسيقى بالمرض (2 ــ 2)

أحمد الصراف
[email protected]
نستكمل اليوم حديثنا عن تأثير البيئة في ثقافة وفن وأدب أي أمة.
لم تأت شهرة العرب بقول الشعر وحفظه اعتباطاً، بل جاءت انسجاماً مع ظروف البيئة وفقرها بكل متطلبات اتقان، أو حتى أداء الفنون والآداب الأخرى.
فالرسم يحتاج للقماش والريشة واللون والإطار وأمور ضرورية كثيرة أخرى، والنحت يحتاج إلى الحجر والرخام وإلى أدوات محددة، كما ان الكتابة تتطلب وجود قلم ومداد وورق وطرق حفظ من التلف، وهكذا الحال مع كل أدب وفن، اما الشعر فلا يحتاج من الموهوب غير ملكة الحفظ وجزالة الإلقاء، فالشعر لم يكن فقط ديوان العرب وفي مقام الالياذة والأوديسة بالنسبة لهم، بل كان ايضاً سيد فنون المنطقة برمتها التي أبدعوا فيها ايما ابداع، خصوصا انه لا يحتاج إلا إلى عقل خلاق يؤلفه وذاكرة تحفظه ورأس يحمله من مكان الى آخر، فلا ريشة ولا ألوان ولا إطار ولا قماش ولا مطرقة ولا حامل ولا وتر ولا أي شيء مادي آخر يتطلب النقل والحفظ والعناية من عوامل البيئة.
من كل ذلك نجد ان للبيئة أعظم الأثر في تشكيل فكر الإنسان ومعتقده، فمسلمو الجزيرة مثلا أكثر ميلا إلى بساطة العيش وأكثر تقبلا للنوائب بسبب فقر البيئة ورتابة الحياة وشظفها الذي لا مجال فيه للرفاهية في العيش أو في العراء، من سكان المدن، لاسيما الزراعية منها الذين يكثر الوقت عندهم وتتسم حياتهم بالاستقرار وبتعدد ألوانها.
كما نرى في الجانب الآخر ان غنى البيئة الإسلامية خارج الجزيرة، وتعقد علاقات أهلها وتراثهم الحضاري الموغل في القدم قد ساهم في تشكيل التراث الإسلامي الجديد الخاص بهم والمختلف عن تراث الجزيرة، فقد بقيت جميع الدول التي دخلها الإسلام على عاداتها في ما يتعلق بالاهتمام بمناسباتها الدينية القديمة كعيد شم النسيم في مصر والنيروز لدى الفرس والتركمان والافغان والاكراد وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية السابقة، نعود ونؤكد ان الطبيعة هي التي كانت دائما تملي التطرف أو التسامح وليس العكس!!
نأتي لموضوع مقالنا هذا لنقول إن ايران، كمثال فقط، كانت طوال تاريخها، وحتى وقت قريب، من المصادر العظيمة لفن الغناء والعزف، وقد نهل الكثيرون من فنها الذي كان له الأثر الواضح على فنون المنطقة.
ولكن عندما جاء الخميني بثورته منع كل أشكال الطرب من عزف وغناء، ولكن توالي الضغوط عليه، وزيادة نسبة التجاوزات، دفعته في فترة لاحقة إلى تليين موقفه والسماح ببث أو الاستماع للبسيط وغير المثير من الموسيقى، ولكن من دون غناء، ثم سمح في مرحلة لاحقة للرجال بغناء أنواع محددة من الأغاني، ولم يسمح للنساء بالغناء لان اصواتهن «عورة»، وستبقى كذلك.
ونجد الأمر ذاته في انحاء كثيرة من الجزيرة العربية، حيث لا يزال الغناء، والعزف الموسيقي بجميع اشكاله، امراً مكروها وجالباً للشر، وهذه الحال مضت عليها اكثر من 14 قرنا، ولكن تخللتها فترات «انحلال» متقطعة.
وقد انحسرت دروس الموسيقى في السنوات الاخيرة في مدارس دول اسلامية كثيرة، ومنها الكويت، لمصلحة دروس تقوية دينية.
وفجأة اكتشف العلماء ان للموسيقى الكلاسيكية، ومقطوعات موزارات السيمفونية على وجه الخصوص، تأثيرا علاجيا ايجابيا على المرضى عموما والمرضى النفسيين والمصابين بالصرع بشكل خاص، فمقاطع قصيرة من سوناتا (ك 448) لموزارات مثلا يمكن ان تؤدي إلى الإقلال من حدوث نوبات المرض، ويقول البروفيسور جون جينكنز في هذا الصدد، وبعد مراجعته لنتائج البحوث الدولية التي اجريت في حقل الموسيقى العلاجية، انه من المحتمل جدا ان تكون لمؤلفات موسيقيين آخرين آثار ايجابية موازية لموسيقى موزارات، وورد في الـ«بي. بي. سي» على لسان البروفيسور نفسه ان مؤلفات باخ تشبه من الناحية التركيبية مؤلفات موزارات، واضاف ان البحوث دلت على ان تعريض المصابين بأمراض محددة إلى موسيقى موزارات لمدة عشر دقائق يوميا يؤدي إلى تحسن ملحوظ على قدراتهم الحركية كطي الورق وتقطيعه.
كما بينت بحوث مشابهة اجريت على الفئران ان الاستماع للموسيقى يجعلها اكثر قدرة على تجاوز العقبات.
وأظهرت تجارب دول اخرى ان الاطفال الذين يتمرسون على العزف على آلة موسيقية لمدة ستة أشهر يتفوقون على نظرائهم الذين يعملون على اجهزة الكمبيوتر، وعبر البروفيسور جينكنز المسؤول في كلية الأطباء الملكية بلندن، عن اعتقاده بأن نتائج هذه البحوث ستكون لها قيمة كبيرة وان التأثيرات الايجابية للموسيقى على مرضى الصرع أمر مشجع جداً، ومن الجدير بالذكر ان مناطق عديدة في المخ تشترك في عملية الاستمتاع بسماع الموسيقى ومنها الجهة اليسرى التي تختص بتحليل الايقاعات، بينما تتكفل الجهة اليمنى بتحليل اللحن، وان الاستمتاع بسماع الموسيقى من شأنه تحفيز تلك الاجزاء من المخ.
كما اكتشفت باحثون من هونغ كونغ ان الاطفال الذين تلقوا دروسا في الموسيقى لديهم ذاكرة لغوية أقوى من هؤلاء الذين لم يتلقوا هذه الدروس، وان الساعات التي يقضيها المرء في تعلم العزف على البيانو أو الكمان لا تضيع هدرا، فدروس الموسيقى تقوي من ذاكرة الاطفال، ويقول هؤلاء العلماء ان اكتشافهم سيساعد الذين أجروا جراحات في المخ على استعادة قوة ذاكرتهم، ومثلهم في ذلك مثل الاطفال الأصحاء.
وهكذا نرى ان تحريم الموسيقى الذي نادى به الكثير من رجال الدين (العلماء)، ولا يزالون، لا يفتقر فقط لأي سند ديني بل ولأي سند عقلي منطقي، فالمنع كان منشأه بيئيا وانطلق من فكر متأثر ببيئة جافة اكثر من أي شيء آخر، فمرحبا بالموسيقى.. ولكن مع من نتكلم نحن؟