د. شفيق ناظم الغبرا

تقرير إسرائيل عن حرب جنوب لبنان… هزيمة أم نصر؟

تقرير فينونغراد أقر بالكثير من الأخطاء الكبرى الإسرائيلية في الحرب التي خاضتها مع «حزب الله» في شهر يوليو 2006، كما أن التقرير يؤكد وجهة نظر «حزب الله» من ناحية حجم المفاجآت التي خبأها لإسرائيل والخسائر التي مُنيت بها. ولكن هذا بطبيعة الحال لا ينهي القصة الإسرائيلية – اللبنانية أو القصة الفلسطينية – الإسرائيلية، ولو اعتقدنا بذلك نكون قد مارسنا ظلماً كبيراً بحق شعوبنا في كل من لبنان وفلسطين وبقية الدول العربية التي تخوض الصراع أو تتأثر به. بمعنى آخر، إن الانتصار في معركة لا يعني كسب الحرب، كما أنه لا يعني حتماً أن المعركة التي تليها ستكون شبيهة لها. إن تقريراً كهذا يمثل رواية لما وقع في الحرب، ولكن الأخطر على العرب أن هذا تقرير يؤكد لنا أن إسرائيل تنتقد ذاتها، وتحاسب مسؤوليها على أخطائهم مما يفرض عليها تصحيحاً لن يكون بمصلحتنا. لقد خاض العرب الكثير من الحروب والهزائم، ولكن لم يصدر عنهم تقرير ينتقد رؤوس الدولة على تقصيرهم. هذا التقرير من الجانب الإسرائيلي دليل قوة، وقد ينقلب إلى خطط وتوجهات عسكرية تختلف في الحرب المقبلة. على العالم العربي أن يتعامل مع هذا البعد بدقه وحذر.
وعلى سبيل المثال هُزم العرب عام 1948، وذلك عند قيام إسرائيل بكل ما نتج عن ذلك من لاجئين وخسارة فلسطين. ولكن العرب بقيادة الرئيس عبد الناصر انتصروا في حرب عام 1956، إذ ساهمت تلك الحرب في المد القومي وبروز جمال عبد الناصر على الصعيدين الدولي والعربي. ولكن تلك الحرب بالتحديد هي التي مهدت لهزيمة العرب الكبرى عام 1967، فقد اتبع ناصر التكتيك نفسه الذي اتبعه في السابق، كما أن إسرائيل كانت قد غيّرت من خططها بصورة كبرى. أما في حرب عام 1973 فقد هُزمت إسرائيل إلى حد كبير وسقطت حكومتها بقيادة غولدا مائير، ولكن ذلك مهد إلى اتفاقات السلام مع مصر وإلى حروب ونزاعات أخرى.
كل هزيمة تحفز الطرف العربي للانتقام وإعادة الاعتبار لقواته، ثم بعد ذلك يقع الارتخاء الذي يؤدي إلى هزيمة جديدة. الرغبة في خلق حالة ألم للطرف الآخر رغبة قديمة تحرك الحروب. لهذا فما نراه جولات مستمرة بلا حسم، مرة لنا ومرة لهم. ولكن السياق التاريخي حتى الآن أن العرب يخسرون أمام إسرائيل بدليل وجود أراض احتلتها إسرائيل ولم يستطع العرب أن يحرروها. ولو ركزنا بصوره أدق على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لوجدنا أيضاً التناقض نفسه. فكل مواجهة أدت إلى الأخرى، والانتفاضة الأولى أدت إلى الانتفاضة الثانية المسلحة. وما بدا أنه انتصار فلسطيني في الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات تحول إلى كارثة في الانتفاضة الثانية في الأعوام القليلة الماضية، وما بدا أنه ضرب للأمن الإسرائيلي من خلال سيل العمليات الانتحارية في إسرائيل منذ عام 2000 تحوّل إلى تراجع كبير للوضع الفلسطيني، وصولاً للاقتتـــال الفلسطيني الفلسطيني بين «حماس» و«فتح» في الشهور القليلة الماضية.
إن استمرار الحالة العسكرية بين العرب وإسرائيل، والفلسطينيين والإسرائيليين، سوف يؤدي إلى مزيد من التراجعات والفوضى والاقتتال الداخلي. وبينما تصدر إسرائيل تقرير فينوغراد ينزلق لبنان رويداً رويداً نحو حرب أهلية، وبينما نحتفل بالنصر على إسرائيل عام 2006، وبينما يؤكد الإسرائيليون أنهم أخطأوا في تلك الحرب، يتزايد الصراع اللبناني – اللبناني والفلسطيني – الفلسطيني والسوري – اللبناني والعربي – السوري، فهل أجهضنا الانتصار، كما حصل في السابق؟
لقد حان الوقت لبلورة نظرة مختلفة لدور السلاح والحرب في الصراع العربي – الإسرائيلي. علينا ألا ننغر بالانتصار أو أن ننكسر بالهزيمة، علينا أن نبرز خطاً جديداً يساعدنا على تجاوز هذه المرحلة المدمرة في الواقع العربي.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *