سامي النصف

دعوة للانفتاح الداخلي

بعد عام من التحرير، قال لي ذات مرة السفير الاميركي اللامع ادوارد غنيم انه لا يخشى على الكويت من غزو خارجي في ظل الاتفاقات الامنية المعقودة القائمة، الا انه بالمقابل بات يخشى على بلدنا من التباين الشديد القائم بين ما يسمعه في دواوين المناطق الداخلية ودواوين المناطق الخارجية حول قضايا البلد المختلفة.

وقد عززت بعض الاستجوابات اللاحقة من ذلك التباين، فأصبح ما يرضي طرفا يغضب الطرف الآخر، والعكس بالطبع صحيح، وهو أسوأ ما يمكن ان يحصل بين افراد مجتمع واحد متماسك يفترض ان تكون لهم رؤى وطنية مشتركة فيفرحون معا ويغضبون معا، لقد اندمج مجتمع بحجم الولايات المتحدة يضم 300 مليون انسان اتوا من 143 عرقا مختلفا عبر نظرية Melting Pot، أو قدر الطبخ الذي يمزج مكوناته فيصهرها ويخلق حلما اميركيا واحدا يؤمن به ويعمل له الجميع، فهل نحن عاجزون عن خلق قدر طبخ وحلم كويتي واحد على ارضنا نؤمن به ونعمل له جميعا؟

وشخصيا اقوم بزيارات منتظمة لدواوين تقع في وسط وشمال وجنوب البلاد، واشعر احيانا بفارق الطرح بين هذه الديوانية وتلك، مما قد يحوجنا الى جهد بعض رجالات الكويت للتأكد من بقاء التباين ضمن شكله التعددي الجميل وألا يتحول الى شكل آخر تمتلئ من خلاله قلوب الاخوة وابناء الوطن الواحد بالنفور من بعضهم البعض، فتتوقف التنمية وتدفع الكويت ام الجميع الثمن.

وقد لحظنا ان اغلب التجمعات والتكتلات السياسية، بدلا من ان تكون البوتقة التي يلتف حول مبادئها جميع منضويها مبعدين عنهم الفئوية والمناطقية وغيرها، قد انقسموا بشدة على معطى تلك التباينات الضارة، خاصة على هامش الاستجواب الاخير، وبذا اصبح الدواء المرتجى اكثر ضررا من الداء.

اننا بحاجة ماسة الى دراسة ميدانية معمقة من جهات اهلية مختصة لمواطن سوء الفهم لإزالتها واعطاء التوصيات اللازمة بالمعالجة الاجتماعية والسياسية لها والتي قد يكون من ضمنها تشجيع انفتاح رجال وشباب المناطق ودواوينها على بعضهم البعض بشكل منتظم ولفهم افضل للمواقف وهو امر شديد السهولة، حيث لا تفصل بين مناطقنا الجبال او الوديان كي تمنع التزاور والتواصل بين الإخوة والأحبة، فهل نبدأ بشكل جماعي باعادة اللحمة بين بعضنا البعض؟

آخر محطة:
التقيت خلال الايام القليلة الماضية في ديوانيتي الزميلين العزيزين سعد المعطش في الصليبخات ومفرج الدوسري في هدية بسفير البحرين الجديد الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة، وقد استمعت من السفير المثقف خلال اللقاءين لحديث يمتلئ حكمة وحبا للكويت، ويدل على غزارة علم القائل وسنفرد لما قيل مقالا آخر قريبا.

احمد الصراف

جرعات دينية متنوعة

من المهم التأكيد هنا على أنني لا امتلك مدرسة خاصة ولا اعرف بشكل واضح وكاف من يمتلك واحدة. كما ان ابنائي انتهوا من دراستهم الجامعية قبل سنوات ولا احفاد لي حتى الآن في اي منها. وبالتالي، فما اكتبه بين الحين والآخر عن المدارس الخاصة لا يهدف لغير المصلحة العامة، من وجهة نظري الشخصية.
القصة الاولى: تقول أم محمد ان حفيدها، الذي لم يتجاوز العاشرة من العمر، والطالب في مدرسة خاصة ثنائية اللغة، اصبح يأتي كل يوم بقصة دينية جديدة، ويطلب من جدته مراجعتها معه. تقول ام محمد، وهي بالمناسبة محجبة، انها وابناءها تعلموا جميعا في مدارس خاصة، ولم يسبق لها او لاي من ابنائها ان مر بالتجربة، التي اصبح الحفيد يمر بها هذه الايام، ليس من واقع الكم الكبير من الجرعة الدينية التي اصبحت تحتويها مناهج مدارسته، بل بما يعطى له خارج المنهج ايضا! وتقول ان الغريب وغير المعقول هو القصص الدينية الغريبة التي تدرس له، والتي اصبح يصدقها ويقتنع بها ويقوم بترديدها. وعند اي محاولة لاصلاح فهمه، فان الطفل يتعلل دائما بان «المس»، او المعلمة، هي التي قالت ذلك!
تقول ام محمد ان هذا وضعها، وهي المربية والمعلمة السابقة، في موقف محرج ودقيق للغاية. فمن جهة، تود حفظ الاحترام للمعلمة، في عين حفيدها، ولكنها لا تود من جهة اخرى ان يتعلم الغريب، وغير الدقيق من المسائل الدينية، والتي لم يسبق لها او لاي من ابنائها ان سمع بها!.
عند مراجعة المدرسة المرة تلو الاخرى تبين لأم محمد ان الضغط قادم من ادارة التعليم الخاص، او من يقف وراءها، والتي تبدو، وكأنها اقوى من الوزيرة ومن يقف معها او وراءها!.
القصة الثانية: «سعيد. س» مواطن باكستاني يعيش في الكويت منذ سنوات، ومقترن بسيدة كندية. ارسل سعيد ابنته الى مدرسة خاصة. بعد اسابيع معدودة اصبحت الفتاة الصغيرة تشتكي من المدرسة، واصبحت تتلكأ في الذهاب وتتأخر في الاستيقاظ، ووصل الامر بها الى الامتناع عن الذهاب كليا للمدرسة.
عند الاستفسار والسؤال هنا وهناك، تبين للاب ان مقررات اللغة العربية والدين المفروضة على الطالبة الصغيرة اكثر من قدرتها على الاستيعاب. وهنا طالب والدها الباكستاني ادارة المدرسة باعفاء ابنته من الدروس الدينية فرفضت الادارة ذلك، متعللة بان هذه أمور تتعلق بادارة بالتعليم الخاص وبطلباتها، وعندما اثبت لهم ان الفتاة الصغيرة ليست مسلمة ردوا عليه بان اسمها مسلم وهذا كاف بالنسبة لهم!.
القصة الثالثة: اعلن السيد محمد داحس، وكيل وزارة التربية المساعد للتعليم الخاص بالانابة، وقد يصبح بالاصالة قريبا، ان نشرة ستصدر للمدارس تمنع الاختلاط في الرحلات الخارجية التي تنظمها المدارس الخاصة! وان على المدرسة اعلام الوزارة بخط سير الرحلة وعدد المرافقين!.
كما ستقوم الوزارة بتحديد تكلفة هذه الرحلات او تكلفة اي انشطة تقيمها المدارس الخاصة!
وفي قرار «قراقوشي» آخر، منع السيد الوكيل المساعد ادارات المدارس الخاصة من مطالبة اولياء امور الطلبة بالمصاريف المدرسية المتأخرة عليهم، ان رغب هؤلاء في نقل ابنائهم للمدارس الحكومية، خصوصا للمرحلة الابتدائية!.
ان هذا البؤس في التصرف لا يهدف لغير التأثير على سير عمل المدارس الخاصة ودفع اصحابها لاغلاقها، وخير دليل على ذلك قرار تكويت 100% من الهيئة الادارية في هذه المدارس، وهو قيد التنفيذ، وسيكون الاختيار طبعا من اختصاص مسؤولي الوزارة وسيكونون حتما من المتردية والنطيحة الذين سيجعلون من المدارس الخاصة نسخة بائسة من الحكومية!.

أحمد الصراف