أي مراقب، ولو بشكل عابر، للاوضاع السياسية هنا لا يملك إلا ان يلاحظ بان هناك فراغا كبيرا في الطرح السياسي للجماعات والاطراف السياسية. ومن لديه منها شيء يملأ به بعض الفراغ، فان ما لديه لا يعدو ان يكون عبثا بالمبادئ وتحريفا للوقائع. فقط «التُبع» والهائمون خلف القيادات الوهمية والبطولات العديمة هم من يرون في الطرح الحالي فائدة، وفي الشعارات برامج رائدة، وفي الاتهامات حقائق لا تقبل النقض.
منذ ان بدأ البعض حملته للاطاحة بالحكومة، او بالشيخ ناصر المحمد بالذات، كتبنا ورددنا ان المطلوب تغيير النهج والرؤى وليس الاشخاص والافراد. وبعد مماطلة وتردد طويلين اضطر البعض الى طرح التغيير السياسي، وعمد الى النقد الجانبي بالطبع للاوضاع بدلا من شخص رئيس الحكومة. لكن بقي الوضع العام والشعارات الاساسية على حالها، معنية بالقشور وليس بالاعماق، وتستهدف النتائج والمخرجات وليس الاساس والعوامل.
لهذا حمل البعض مصطلحات وشعارات «حماية المال العام والفساد» على انها هي القضايا الرئيسية، وهي المعضلات التي يواجهها الناس. بل تمادى البعض في فقرهم السياسي المدقع ليجعلوا الشعار العام والهدف النضالي الاوحد هو توزير «رجال دولة» كحل حقيقي وأساسي لمشاكلنا وأزماتنا. اي انهم وببساطة اختصروا كل الازمات والمعضلات التنموية والسياسية في قضايا الادارة. فمشاكلنا هي نتيجة سوء ادارة وحكومات لا تهيمن بشكل حقيقي على السياسة العامة. ويبقى كل المطلوب تحييد هذا الشخص او تقليص نفوذ غيره لتكون الامور مثل ما يشتهي المخلصون ويتمنى الوطنيون.
هذا الطرح، بالاضافة الى انه يتعامى عن الحقيقة او الحقائق الاساسية، وهي ان الوضع الحالي هو نتيجة صراع مصالح، واختلاف ثقافات وانتماءات اجتماعية وسياسية، وليس نتيجة سوء ادارة هنا او فساد مالي هناك. بالاضافة الى هذا، وهو وحده كثير وخطير، فان هذا الطرح بالذات موجه نحو عزل المواطن الكويتي وإقصائه عن الريادة والسيادة، باعتبار انه ليس مسؤولا وليس مطلوبا منه عمل شيء سوى مراقبة ومحاسبة الادارات والقيادات في الدولة.
ان المواطن الكويتي مسؤول بشكل اساسي عن الفساد والسرقات والتسيب العام في اجهزة الدولة. وما لم تتم «محاسبة» هذا المواطن وتصحيح مساره فان الاعتماد عليه، او بالاحرى التظاهر بالاعتماد عليه، لتصحيح مسار الادارات العليا في الدولة عبث لا طائل ولا رجاء منه.. وذلك ببساطة لان فاقد الشيء لا يمكن ان يعطيه.