«يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»، نعم هذه هي حال أمتنا العربية، أضحوكة أحيانا ودمية أحيانا ووقود أحيانا ثالثة. فمنذ أن تم تمزيق أمتنا إلى دويلات بعد الإجهاز على دولة الخلافة العثمانية في عام 1924، واقتسام تركة الرجل المريض (الإمبراطورية التركية) كما يسميها الغرب، إلى دول تدور في فلك قوى استعمارية معينة، ونحن في انحدار وتراجع مخيف.
فقد نشط الغرب تيار المثقفين العرب ليكون رموزها وقياداتها، حكام أو زعامات العمل السياسي المستقبلي، وقد كان ذلك فنشطت حركة الانقلابات والهيمنة على السلطة منذ بدايات خمسينات القرن الماضي، وانتهت أنظمة مستقرة بتهم الخيانة وموالاة المستعمر والوقوف ضد حركة التطور والتحرر، فإذا أغلب من يتسلم السلطة من هؤلاء ليس إلا نموذجا أسوأ للدكتاتورية والتفرد بالسلطة ونهب ثروات الدولة، والارتماء في أحضان المستعمر الذي يسبه ليلا ويسير وفقا لتوجيهاته صباحا في كل القرارات.
ويا ليت الأمر قد وقف عند هذا الحد، فقد قامت معظم هذه الزعامات بإذكاء روح الشقاق والفرقة بين دول العالم العربي، وهي ترفع شعارات الوحدة والقومية كذبا وتضليلا، وإلهاء للشعوب عن عبثها وجرائمها، في الوقت الذي سعى كل منهم الى استقطاباته الخاصة، فظهرت لدينا كتل الدول الشيوعية ومجموعة القومية المصحوبة بالبعثية، وثالثة سميت بالرجعية، وهي تقسيمات فرضتها تلك الزعامات، التي أوجدت حالة من الاقتتال الداخلي أو الاغتيال السياسي المبرمج، ومن حطام ذلك التنافر والفرقة توارثنا تركة لدول مثخنة بانقسامات داخلية حادة، بسبب التفرد والإقصاء والتآمر على الوحدة الوطنية بادعاءات التباينات السياسية التي كان يفترض أنها ميزة وقوة وليست فرقة وتشرذما.
ومن يراقب الأوضاع الحالية في العالم العربي يدرك كم أضررنا أنفسنا بأيدينا وبأيدي أعدائنا، فلبنان بانقسام داخلي حاد، وليبيا بدأ فيها الانفصال، واليمن مرشح لدولتين والسودان صار اثنين وسوريا نظامها يشن حربا لا تبقي ولا تذر، والعراق بدأ بتصفيات عرقية وطائفية، ومتواليات دول اخرى على الدرب ذاته، والدول العربية تقسمت وتشرذمت ويحارب بعضها بعضا، والأمم التي تسعر الفتنة والحروب بيننا تضحك علينا وتؤلب الشر بيننا، والغرب وجد ضالته في بيع أسلحته لنا، فضحكت علينا الأمم، ومصائبنا لا خلاص منها إلا بمعجزة إلهية وإرادة حقيقية للحكام والشعوب.
اللهم اني بلغت،