لا اتفق مع من يصف الاستقالات المتعددة من صفوف جماعة «حشد» بأنها انقسام او تفكك في الجماعة. فجماعة حشد من المفروض ان يكونوا بالآلاف ان لم يكن بالمئات. فهم في النهاية تكوينات قبيلة مطير التي حشدها مسلم البراك في تجمع الاندلس، ثم تكوينات مطير والعجمان التي تجمعت في العقيلة بعد مؤازرة خالد الطاحوس له. لهذا فان خروج عشرة اعضاء او عشرين عن الجماعة رغم المظهر «الانقسامي»، ليس شيئا ذا بال. وليس من المفروض ان يحسب ظاهرة ملحوظة تعصف بالتنظيم.
مع هذا فإن الاستقالات لها دلالات «نوعية» وسياسية اكثر دقة. فهي تعبير عن عزوف ما يمكن تسميته بالتيار المدني، وفك ارتباطه بالجماعات والاطراف القبلية داخل «حشد». وهذا التيار رغم صغره وقلته هو المؤثر وهو الذي اكسب «حشد» طابعا سياسيا، واضفى على مسلم البراك وشاحا وطنيا كان باشد الحاجة له للتستر على الوجه الحقيقي للتنظيم.
إطلاق صفة المدنية ليس بالضرورة وصفا دقيقا وسليما للمستقيلين، فكثير من ابناء مطير «مدنيون»، والكثير من مدعي المدنية والوطنية يحملون وفي احيان رغما عنهم بقايا الانتماء، وحتى التعصب القبلي، خصوصا ان المستقيلين لم يفكوا ارتباطهم الواضح والمعلن بالنهج والممارسة القبلية لجماعة «حشد». ولم يصدروا حتى الآن بيانا او حتى توضيحا لموقفهم من الممارسات التقليدية القديمة وغير السياسية، التي حكمت سلوك «حشد»، ونظرة اعضائه للقوى وللمؤسسات الاجتماعية والسياسية الاخرى.
لقد بين السيد احمد السعدون، الذي يبدو انه يقف وراء الاستقالات، آراء، والقى طروحات سياسية جديدة في الاونة الاخيرة. لكن هذه الطروحات كانت بشكل صريح ومعلن موجهة نحو الوضع السياسي العام، وتجاه «الاغلبية المبطلة»، ولم تكن بالدقة موجهة كانتقاد لتوجه تنظيم «حشد».
ما لم يطور السيد السعدون ما طرحه. وما لم يفك ارتباطه النهائي بالخيوط التي كانت تحرك عرائس المسرح السياسي، وبالذات الموقف من القوى الوطنية التقليدية «التجار»، التي شن عليها جماعة حشد، بالتعاون مع رموز الفساد الحقيقي والسراق الاصليين للمال العام، حملة منظمة في السنوات الخمس الاخيرة. وما لم يتنكر السيد السعدون ومن يسانده للاتهامات التي اطلقت تجاه السلطة القضائية والافاضل مستشاري المحكمة الدستورية تحديدا، فان الاستقالات او البقاء داخل احشاء «حشد» واحد.