حبيب الكل…و”كامب ديفيد”

هناك قاعدة واضحة في العلوم السياسية أو أي علم من العلوم الطبيعية، وهي من يحارب الكل يخسر، فعلى الرغم من قوة جيش ألمانيا النازية وعتادها فإنها أجبرت على التحالف لتحقيق أهدافها، لكن من البداهة كذلك في منطقة تمتلئ بصراعات معظمها يصل إلى الجذور أن من يصادق الكُل فيها إما أن يكون واهماً أو مخادعاً.

مؤتمر “كامب ديفيد” نوى به أوباما طمأنة حلفائه الخليجيين العرب بشأن اتفاقه النووي المبهم مع الإيرانيين، والذي سيغير معه موازين القوى في المنطقة، والخشية أن يكون المؤتمر عبارة عن حديث عام يخلو من تطمينات حقيقية للقادة الخليجيين من مخاطر هذا الاتفاق، ولكن بحسب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير فإن مشروع الدرع الصاروخية الخليجي لمواجهة أي تهديد إيراني على المنطقة كان على طاولة النقاش في “كامب ديفيد”.

صرح أوباما بأن واشنطن تتعامل مع كل ملف على حدة، وهذا بحد ذاته نجاح للسياسة الخارجية الإيرانية على حساب السياسة “الأوبامية” الانفتاحية، فلو نظرنا إلى الأزمات المستفحلة في المنطقة لوجدناها صوراً مقطعة، إن جمعتها فستجد إيران في كل مكان: اليمن، ولبنان، والبحرين، وغزة، والعراق وسورية، بتدخل عسكري مباشر، بالإضافة إلى محاولة تكوين ذراع في باكستان، وهذا كله يأتي في ظل العقوبات المفروضة على طهران، فإلامَ ستؤول السياسة الإيرانية في حال رفع العقوبات وإقرار مشروعها النووي؟ وهل من يدعم الانقلابيين الحوثيين في اليمن وطاغية القرن بشار في سورية، وميليشيا الجنوب في لبنان (حزب الله) سيكون محل ثقة للالتزام بوعوده “السلمية”؟

***

عندما أُعلن التوصل إلى اتفاق حول المشروع النووي الإيراني ألقى أوباما خطاباً موجها إلى حلفائه بالمنطقة، فوجه كلمته في بداية الخطاب إلى إسرائيل التي فاز في انتخاباتها مؤخراً نتنياهو للمرة الثالثة ليشكل حكومته، فالنتيجة لم تكن مرضية لأوباما، لأنها لن تخدم المفاوضات، خصوصاً مع سيطرة اللوبي اليهودي على أغلبية أعضاء الكونغرس الجمهوريين، واتضح هذا مع الخطاب الذي ألقاه نتنياهو في الكونغرس وهاجم فيه أوباما، ولقي تصفيقا حاراً من الأعضاء الجمهوريين، ولكن هذا التوتر لا يغير شيئاً في العلاقة الأميركية- الإسرائيلية، ففي الوقت الذي كان نتنياهو يهاجم أوباما في الكونغرس كان وزير خارجية أوباما كيري يقف في الأمم المتحدة، مدافعاً عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.

***

ساهمت الولايات المتحدة في بناء قبة حديدية لإسرائيل هي الأكثر تطوراً في العالم لحمايتها من أي اعتداء خارجي، لا أعتقد أن مساهمة الولايات المتحدة ببناء درع صاروخية خليجية كافية للخليجيين، كُل ما يبحث عنه الخليجيون هو تحقيق المزيد من الرفاهية لشعوبهم، ومساعدة الشعوب العربية الأخرى لمساعدة نفسها، في حين يسعى الإيرانيون إلى الهيمنة على المنطقة، ولا شيء غير ذلك، حتى إن كان الشعب الإيراني والشباب الإيرانيون العاطلون بنسبة ٤٠ في المئة هم ضحية هذا التوجه، فعلى “حبيب الكل” أوباما أن يقرر، فمحاولة خلق التوازن بحد ذاته صِدام، وإبهام الاتفاق هو تشكيك في النوايا الحقيقية المخفية حول الاتفاق، فالعرب يمدون يد السلام، وإيران تمد السكين، وعلى أوباما أن يعلم أنه لا يمكن للعاقل مصافحة سكين.