سواء قرر أوباما أن يذكر القيادات الخليجية، التي يجتمع معها هذه الأيام، بـ”النصيحة” السابقة الواردة في لقائه مع توماس فريدمان، بأن ما يهدد دولنا هو “الداخل” وليس الخارج، أو أهمل التذكير بها لاعتبارات دبلوماسية أو غيرها، تظل هناك قناعة ثابتة تقرر أنه بقدر ما تكون الجبهات الداخلية متماسكة وصلبة، تضعف الأخطار الخارجية ويصبح من الصعب على هذا “الخارج” أن يجد له منفذاً في الداخل، والعكس صحيح، فكلما ضعفت الجبهة الداخلية واهتزت ثقتها بقياداتها أصبح من السهل اختراقها. تقوية الجبهات الداخلية وتحصينها لن يكون بغير انفتاح قيادات دول الخليج على شعوبها، وتعزيز الحريات الإنسانية بها.
لا يعني هذا بالضرورة القفز لتحقيق الديمقراطية الكاملة الآن، فقد يبدو هذا سابقاً لأوانه في عدد من دول الخليج التي لم توفر دولها أسس المجتمع المدني كخطوة أساسية لقيام الدولة المدنية الديمقراطية، (باستثناء الكويت وحتى هذه تعمل بجد لقبر ما تبقى من مؤسساتها) وإنما يفترض أن تشرع دول الخليج بإصلاحات داخلية من الآن دون تأخير، الإصلاحات المطلوبة تتمثل على سبيل المثال في توطين دولة القانون بمعنى المساواة المطلقة أمام حكم القانون للمواطنين، وفتح نوافذ حريات الضمير، وتقبل النقد بصدر رحب، دون افتراض أن الذين يعبرون عن نقدهم أو رفضهم يمثلون خطراً على النظام، أو يريدون شراً بالدولة.
مثل تلك الخطوات تصبح ضرورة، وهي تعد ركناً مهماً لبناء جيش داخلي قوي من المواطنين الأحرار، وهو جيش لا يقل قوة عن الجيوش الرسمية، وقوامه الثقة والولاء للوطن وللحريات، ولا يكلف مليارات الدولارات من صفقات السلاح التي تنتهي صلاحيتها بعد فترات بالتقدم التكنولوجي.
تجابه دول الخليج، غير تحديات القوة الإيرانية المتزايدة، مشروع أزمات اقتصادية تلوح في الأفق، فحلم عودة سعر البرميل لسابق عهده وهم وخيال، بعد أن استطاعت أميركا التخلص من حالة الإدمان على نفط المنطقة العربية، بينما بقيت دول المنطقة هي المدمنة على “الريع” النفطي، وأدمنت قطاعات عريضة من شعوبها، بالتبعية، على التواكلية، وعلى قوة العمل الأجنبية للقيام بمعظم شؤونها، وهذا كان نتيجة طبيعية لغياب الاستثمار بالإنسان وتحصينه بالتعليم الجيد في عالم لا يرحم الضعفاء ولا حملة شهادات “الترسو”، وقد تزايدت تلك الجماعات الأخيرة في السنوات القليلة الماضية، ففي حالة الكويت مثلاً، تراجعت مستويات التعليمين العام والخاص، ولاذت الدولة باللامبالاة لخريجي كليات البقالات التجارية، وأهملت المتخرجين المتفوقين من الجامعات العريقة، وتركتهم نهباً لبيروقراطية بائسة غبية، ما يعني في النهاية “تطفيش” أهل الكفاءات الوطنية مقابل توطين أصحاب العاهات الثقافية.
العمل لبناء الجبهات الداخلية لدولنا يعني بناء الإنسان الواعي المتعلم المعتز بكرامته والمتسامح بثقافته مع الآخرين المختلفين عنه. تلك بعض الأمور الغائبة عن دولنا، ولا تملك تلك وقتاً طويلاً كي تسوف في بناء مشروع إصلاحي كبير، فالحقائق تتغير مع تبدل الزمان، وعلينا بدورنا أن نتغير معها.