دخل اثنان مسلحان، لا يُعرف عنهما من زودهما بالأسلحة، ولا أين تدربا عليها، ولا من أرسلهما لتنفيذ العملية.. دخلا إلى مبنى جريدة فرنسية عُرف عنها الابتذال في النشر والتشهير بالمشاهير، وفيها تم نشر الصور المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقتلا عدداً من العاملين فيها ولاذا بالفرار. فقامت الدنيا ولم تقعد، وانتفضت أوروبا من أقصاها إلى أقصاها، منددة بهذه الجريمة النكراء، ومتوعدة المسلمين بالويل والثبور وعظائم الأمور! وتعالت الأصوات من اليمين الأوروبي المتطرف بالانتقام وطرد العرب والمسلمين من أوروبا، وبادر أوباما بتقديم العزاء للسفارة الفرنسية في واشنطن، وخرج شيخ الأزهر مندداً بهذا العمل الإجرامي، وتوالت برقيات التعازي تنهال على قصر الإليزيه بباريس من حكام العرب والعالم!
التطرف والقتل مرفوضان من حيث المبدأ، ولكن ردات الفعل يجب ألا تغفل عن مصدر الفعل وأسبابه. فالذي يرفض جريمة القتل لا بد أن يعقب برفض التطرف في الاستهزاء بالأنبياء والمقدسات، ولو تمت معاقبة المجلة المسيئة إلى الرسول، لما شعر هذا القاتل بالحاجة إلى القتل، لرد الاعتبار أو للانتصار لدينه، وفقاً لمنظوره.
كما لوحظ تهديد أوروبا ووعيدها بالانتقام، ويحق لنا أن نتساءل: ما الفرق بين قتل متطرف يميني في مجلة متطرفة، وبين ما تقوم به إسرائيل يومياً في قطاع غزة والضفة من قتل للمواطنين وتدمير منازل وسجن أبرياء وترهيب أطفال وشيوخ كل ذنبهم أنهم طالبوا بحقهم في الصلاة في المسجد الأقصى؟!
أميركا ترسل طائراتها من دون طيار لتحصد العشرات من الأبرياء في اليمن ووزيرستان، ولم نسمع شيخ الأزهر يندد، ولا معظم حكام العرب يواسون!
بلجيكي متطرف يقتل ثمانين طفلاً مسلماً، ولم نشاهد ردة الفعل التي شاهدناها في مقتل عدد من الذين تخصصوا في إهانة مقام النبوة!
إنها القيمة الرخيصة لدم المسلم، والنظرة الدونية للإنسان العربي، والكيل بمكيالين في تقييم الأمور، وهذا الذي يؤدي بالعربي والمسلم إلى التطرف والعنف، وهو يرى الغرب لا يعطي له قيمة، ولا يتعامل مع قضاياه بإنسانية. هذا العربي يرى الغرب يعاقب كل من يفكر في نكران مذبحة هتلر لليهود في الهولوكوست، أو يستهزئ بتاريخ اليهود في أوروبا، بينما يرى الاستهزاء برسول الإسلام نوعاً من الحرية الإعلامية تجوز ممارستها! إنني أُحمِّل الغرب كل مظاهر التطرف التي تعيشها منطقتنا العربية، لأنها ردات أفعال على التطرف والغلو اللذين نشاهدهما يومياً في تعامل أوروبا مع قضايا العرب والمسلمين.
***
أتمنى مع صدور هذا العدد من الجريدة أن يكون قاضي التجديد قد أصدر قراره بالإفراج عن صالح الملا الذي لم يكن ذنبه إلا أنه ربما عبر عن مشاعر بعض أهل الكويت.