المقلق أن تصبح الأمنيات السياسية قناعات حقيقية عند السياسيين بالخليج، وبالتالي يعملون بهذه القناعات بكل ثقة، وكأنها مطلقات ثابتة، ويتركون أمورهم لمصادفة القدر والحظ، فهناك قواسم مشتركة يمكن ملاحظتها في أكثر من تصريح لهؤلاء السياسيين، أمام واقع تدهور أسعار النفط، تنضح تلك الملاحظات بتفاؤل عجيب وأحلام وردية ليس لها معنى، أساسها أن سقوط أسعار النفط وضع مؤقت، ولن يدوم، فلابد أن يتغير الطلب، في يوم قريب، وتتعدل الأمور. إضافة إلى هذا يحاول أصحاب القرار السياسي طمأنة المواطنين في دولهم بأن أوضاع دولهم الاقتصادية اليوم أفضل من غيرهم، فنحن أفضل من إيران ونيجيريا وفنزويلا وروسيا، فتكلفة إنتاج النفط عالية نسبياً بهذه الأخيرة، وهذه الدول لا تملك صناديق استثمارية سيادية بحجم التي تملكها دول الخليج، والتي يمكن أن تكون رافداً للدخل القومي يسد تناقص دخول النفط، وبالتالي فنحن نسقط على وسادة ناعمة، بينما هم (في إيران، أو روسيا مثلاً) يسقطون على صخور مؤلمة.
الإعلام في الغرب يروج أيضاً لمثل هذا التحليل، مطمئناً الأنظمة الخليجية وشعوبها النائمة في العسل بمثل هذا التصور، هو يحلل واقع السوق اليوم، لكنه يفترض أن أنظمتنا في النهاية تملك قدراً من الحصافة لتغير سياساتها إذا ساءت الأمور يوماً ما، وهذا قد يكون بعيداً عن الواقع أمام حقيقة جمود عدد من أنظمتنا للتغيرات السياسية والاقتصادية بالعالم، الأقرب للمعقول هو أن تدهور سعر النفط لن يكون لمرحلة قصيرة، فكان، تبعاً لذلك، قرار الأوبك (بالأكثرية الخليجية) بالاتفاق على عدم خفض الإنتاج بغرض تقنين وتحديد إنتاج النفط الصخري من الولايات المتحدة، حين تصبح تكلفة إنتاجه أعلى من سعر النفط المنتج، وبالتالي، فدول الخليج، وما شاء الله عليها، ستخضع الأميركان وشركاتهم لسلطاننا اليوم، وأسعار نفوطنا غداً. أيضاً نحن نضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية أخرى، وبما أننا متحالفون مع الغرب، فنفطنا سيكون السلاح الاقتصادي لتأديب روسيا التي تقضم من الجسد الأوكراني، وتقف مع النظام السوري، وكذلك، فإن (دولنا) ستؤدب الجمهورية الإيرانية التي أيضاً تدعم النظام السوري، وتثير مواجع دولنا في اليمن والبحرين، وفي الوقت ذاته ستجد إيران نفسها مجبرة على مرونة أكثر وتنازلات مطلوبة، بمفاوضاتها، مع الغربيين على النووي… ويمكن أن نضيف لما سبق أنه، من الناحية الاقتصادية البحتة، وبغياب الثقة بين دول الأوبك بعلاقاتها بعضها مع بعض ومع بقية الدول المصدرة، تخشى كل دولة في الخليج خسارة زبائنها لو خفضت الإنتاج، بينما غيرها خارج الخليج يغشون ويستفيدون من الخفض.
لا أدري، ما صحة مثل تلك السياسات؟ وأين ستنتهي بنا حين نقرأ الواقع عبر نظارة زجاجها وردي جميل وحالم، بينما الحقيقة هي نيران ملتهبة. فدولنا، مع كل التبجيل لصناديقنا الاستثمارية السيادية، عليها أن تدرك أن غير النفط لا تملك شيئاً غير أتربة صحاري الجفاف، والاستثمار بالإنسان المنتج لم تكن له أولوية بثقافتها، فكيف لها مناطحة غيرها سواء إيران أو روسيا أو غيرهما… من جديد نتذكر القول المأثور «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه»، والأفضل أن نعيد صياغته بـ «رحم الله دولا عرفت قدر نفسها».