من يهتم في عالمنا بامرأة مثل القديسة الأم تريزا البرتغالية، التي تركت وطنها الأوروبي لتعيش مع فقراء الهند ومنبوذيها. ومن يحترم ويقدر شجاعة وأعمال الخير التي قدمتها أوبرا وينفري، مقدمة البرامج السابقة، وعشرات الممثلات والكاتبات والفنانات الأخريات اللاتي بذلن الكثير وتبرعن بالأكثر للتخفيف من شرور العالم وجرائم طغاته، ومساعدة فقراء أفريقيا وتولي تربية وتعليم المئات منهم، إن لم يكن مئات الآلاف؟ أليست الرائعة إنجلينا جولي، التي لم تترك مخيما للاجئين عربا أو مسلمين وغيرهم إلا وزارته، بصفتها الشخصية أو ممثلة للأمين العام للأمم المتحدة، خير مثال على ما تقدمه المرأة الفنانة للإنسانية مقارنة بغيرها من الجالسات في البيوت و«المتفرغات للحش»، وما اكثرهن؟! وكيف يمكن أن نقدر ما قامت به هذه الجميلة التي لديها كل شيء تقريبا من راحة ومال وشهرة، مع هذا تقوم بزيارة أكثر دول العالم خطورة كأفغانستان ومخيمات اللاجئين السوريين في تركيا والأردن مرورا بالعراق، التي لم يزرها «رجالنا» إلا لالتقاط الصغيرات منه للفتك بهن جنسيا؟
أليست إنجلينا جولي، التي يضعها الكثيرون في خانة الكافرات السافرات او كما يصفهن وجدي غينم، بــ«العاهرات»، أكثر شهامة ونخوة من الملايين من اصحاب الشوارب، وحتى من حالقيها منا؟ وكأن كل ذلك لا يكفينا لنشعر بالخجل من تواضع ما قدمناه للبشرية، مع كل ما نخلقه من ضجيج حولنا، لتأتي سيدة استرالية لتثبت لنا عجزنا حتى عن الاهتمام بابنائنا ليس فقط من المعاقين، بل حتى من الأصحاء. فقبل فترة بهر معاق عراقي العالم بصوته وفنه الجميل عندما ظهر في برنامج تلفزيوني شهير، ولم يكن غير واحد ممن تلقوا مساعدة السيدة مويرا كيللي التي تدير منذ عقود مؤسسة للعناية بأطفال العالم، دون تمييز بين جنس أو عرق أو دين وآخر.
وعلى الرغم من انها لم تبلغ الخمسين بعد، فقد بدأت مبكرة جدا وكانت بدايتها الجدية وهي في الــ21 عندما باعت سيارتها والتحقت بالأم تريزا في الهند، ومن هناك زارت مناطق حروب ومجاعة وكوارث دون أن يوقفها شيء، وعندما ذهبت إلى العراق قبل سنوات تبنت الشقيقين أحمد وايمانويل ونقلتهما من وسط ملايين المسلمين المعدمين والمهملين في العراق الى استراليا لتمنحهما اسم عائلتها، وليصبح بعدها إيمانويل مطربا عالميا، بعد مشاركته في برنامج للهواة حصل بعد ظهوره فيه على اعجاب وتعاطف ملايين المشاهدين في العالم، وكانت Moira Kelly معه تقف خارج المسرح تشاهده يغني وهي تبكي من فرحتها بنجاحه! ولا حاجة لنعرف رأي غالبية «متأسلمي» أوطاننا بما تقوم به وقامت به هذه المرأة «الكافرة»، التي يمكن أن تصيبها يوما رصاصة من إرهابي جاهل، والتي أخذت أطفالاً مسلمين، حتى من المعاقين والمهجورين، ليعيشوا في بيئة غير إسلامية، معتقدين أن من الأفضل بقاءهم بيننا مع اعاقاتهم وجوعهم، ودون أي التفات إلى حقيقة أنهم كانوا يعيشون بطريقة أقرب للحيوانات منها للبشر، لتجعل منهم هذه السيدة بشرا أسوياء. فهل مقتل هذه السيدة هو جواز المرور لملاقاة الحور العين مثلا؟ والجواب معروف خاصة انها تعمل دون رجل محرم، ولا ترتدي النقاب، وترفض الجلوس في البيت، أو غلق الباب عليها، وتظهر علنا، دون محرم، وتعزف الموسيقى لأطفال لم نستحق شرف العناية بهم؟ ومن المخطئ المارق هنا، ومن الذي يستحق محبة الله وجنته، هي وأمثالها أم الذين يسعون لقتلها بعد أن أحلوا دمها؟
لا نطالب بتمثال لكيللي وأمثالها ولا بتسمية شارع، أو حتى زنقة، باسمائهم، بل فقط بأن «نحل عنهم» ونتركهم لحالهم لكي يبدعوا وينتجوا ويقوموا برعاية من عجزنا عن رعايتهم!
أحمد الصراف