تساءلت في مقال سابق عن سبب فقر مجتمعاتنا لمتطوعات ورائدات أعمال خير عالمية، كما كانت الحال مع «الأم تريزا»، وبالرغم من تعدد الأجوبة فإنها لم تشف غليلي! فالعمل التطوعي الذي يأخذ الإنسان بعيداً وعالياً أمر غريب على مجتمعاتنا، رجالاً ونساء، وهو أصعب مع المرأة بسبب الطريقة التي تربى بها، هذا غير معتقداتنا وتقاليدنا التي تضعها في درجة ادنى دفعت بها للتفرغ لخدمة الرجل، كحاضنة وجسد، وكأن نساء الأرض جميعاً لم يوجدن إلا لهذه الأعمال! والى ان يبزغ فجر جديد، ستبقى المرأة في مجتمعاتنا تحت وصاية الأب، الزوج والأخ، وحتى الخال والعم! ولو سألنا القلة التي تقوم بأعمال تطوعية في مجتمعاتنا لعرفنا منهن مدى ما يواجهنه من صعوبات ونقد وسخرية وهجوم وحتى تلفيق تهم.
سيمين بهبهاني، اديبة وشاعرة ايرانية، ومن القلة الواعية والمثقفة في وطن ظلم المرأة في كل عهوده، والتي رشحت لنيل نوبل مرتين، وهي ابنة الأديب عباس خليلي الذي كتب شعراً بالعربية والفارسية، وترجم ملحمة الشاهنامة للفردوسي المكونة من 1100 بيت للعربية، وعندما حاولت سيمين قبل بضعة أشهر الخروج من ايران، منعتها السلطات وحققت معها ليوم كامل، وهي التي تجاوزت الثمانين بسنوات وبالكاد تبصر شيئا! تقول سيمين في قصيدة لها ترجمتها ناهد روحاني: إني أعرف امرأة.. يملأها شغف الطيران.. لكن من فرط الهيجان.. يملكها هلع الترحال. إني أعرف امرأة.. في زاوية من منزلها.. من داخل مطبخها.. ما بين الطهي وجلي الصحون.. تنشد أغنية للحب.. حائرة نظرتها وبسيطة.. وغناها تعب وحزين.. ولها أمل في عمق الغد. إني أعرف امرأة تقول: إني نادمة.. ل.مَ علقتُ به قلبي؟ ابدا ليس جديراً بالحب.. واخرى تتمتم مضطربة.. أين المهرب من هذا البيت؟.. وتعود تتساءل: ترى.. مَن م.ن بعد غيابي.. سيمشط شعر ضناي؟ وامرأة حبلى بألم.. امرأة تبكي وتقول: نضب اللبن في صدري.. وامرأة بأوتار الوحدة.. تنسج فستاناً من تور.. وامرأة في زاوية الظلمة.. تعبد وتؤدي صلاة النور.. امرأة اعتادت الأغلال.. امرأة استأنست السجن.. وحصتها ليست إلا.. سحنة سجان عابس.. يرمقها بجفاء وفتور. اني اعرف امرأة.. يقتلها ادنى احتقار.. لكن تشدو وتقول.. تلك هي لعبة الأقدار.. امرأة تداري الفقر.. امرأة تهجع باكية.. امرأة تتحسر حيرى.. ما ذنبي؟ هي لا تعلم.. وامرأة تخفي عن الأعين.. دوالي رجليها.. والألم الكامن في جنبيها.. حتى لا يقول لها أحد.. ما أتعسك ما أتعسك! إني أعرف امرأة.. قصائدها حبلى بالحزن.. لكن تضحك وتقول.. الدنيا تلف وتدور. اني اعرف امرأة.. تهدهد صغارها ليلاً.. تقص، تغني لهم شعرا.. على رغم الاسى المدفون.. بداخل صدرها المحزون.. وامرأة تخشى أن ترحل.. أو ليست شمعة هذي الدار.. فأي ظلام سوف يسود.. إذا برحت هي باب الدار؟ وامرأة تجلس بأسى.. تداري شح سفرتها.. تقول لطفلتها، خجلى.. ألا نامي، أجل نامي، اني اعرف امرأة.. عليها بزة صفراء.. وتبكي حظها العاثر صباح مساء.. هي المسكينة لا تنجب.. ومن للزوجة العاقر؟ إني اعرف امرأة.. فقدت حتى رمق الترحال.. ينادي قلبها البائس.. ويصرخ تحت رجليها كفاك.. كفى إني أعرف امرأة صارعت شيطان النفس بداخلها، آلاف المرات، ولما انتصرت في الآخر أخذت تضحك ساخرة لفضيحة ثلة الفساق، امرأة تغني طربا، امرأة تلتزم الصمت، امرأة تمكث في الشارع، حتى في ظلام الليل، امرأة تكدح كرجل، على يدها بثور ألم، نسيت أنها امرأة، تحمل جنينا في الأحشاء، لشدة ما تداهمها، فلول الحزن والآلام، امرأة في فراش الموت، امرأة تكاد تموت، ومن عنها ترى، يسأل؟ لا أدري.. لا أدري، على فرشة صغيرة ذات مساء، تموت امرأة بهدوء، وامرأة تثأر لنفسها من رجل فاجر.. إني أعرف امرأة!
أحمد الصراف