«عزيزتي شوليح، علمت اليوم أنه قد جاء دوري لمواجهة القصاص. لقد وصلت للصفحة الأخيرة من كتاب حياتي، ولكني لم أحظَ بفرصة تقبيل يدك ويد أبي. لقد سمح العالم لي أن أعيش 19 عاماً، ثم جاءت تلك الليلة المشؤومة، التي ربما كان يجب أن أقتل فيها ويلقى جسدي في ركن قصي. وكانت الشرطة ستعرض جثتي عليك للتعرف إليها، وكنت ستعلمين بأنه تم اغتصابي وقتلي، وإن القاتل لن يستدل عليه، لأن لا حول لنا ولا قوة. ومن ثم كنت ستقضين حياتك في معاناة وعار مما ارتكبت. لقد علمت.ني يا أمي، يا أعزّ أم، أن أحدنا يأتي إلى هذا العالم لاكتساب الخبرات. وتعلمت منك أن علينا أحياناً القتال. وان علينا أن نثابر، لكي نخلق قيمة لنا، حتى لو كان ذلك يعني الموت. وعلمتني أنه عندما أذهب إلى المدرسة ينبغي أن أكون متعالية على النزاعات والشكاوى. وعندما تم تقديمي للمحاكمة، بدوت وكأنني قاتلة بدم بارد ومجرمة بلا رحمة لأنني لم أذرف الدموع ولم أتسوّل العطف، حتى أنني لم أبك، فقد كنت واثقة من حقي ومن القانون. ولكن واجهتني تهمة عدم المبالاة، وكم كنت ساذجة بتوقعي العدالة من القضاة! أمي، لا تبكي على ما ستسمعينه، ففي اليوم الأول الذي قامت الشرطة بإيذائي بسبب أظافري فهمت أن الجمال ليس أمراً مرغوباً فيه هنا، لا جمال المنظر ولا جمال الأفكار ولا الرغبات ولا العيون، ولا حتى الكتابة، وبالتالي غيرت من أفكاري، وأنت لست مسؤولة عن ذلك. كلماتي لا تنتهي، وسأعطي هذه الرسالة لشخص ما لتوصيلها لك، إن أعدمت في غيابك. كما تركت لك الكثير بخط يدي للذكرى. وهنا أريد أن أطلب منك قبل موتي، وعليك أن تقومي به من اجلي بكل ما تملكين من قوة، فهو الشيء الوحيد الذي أريده منك ومن هذا العالم. أريد يا أمي الطيبة ألا تدعي أعضائي تدفن تحت التراب، ولا أن تتحول عيوني الجميلة وقلبي الشاب إلى غبار، وأن تتوسلي، بعد شنقي، لكي يتم أخذ قلبي وكليتي وبقية أعضائي والتبرع بها لمن يحتاجها، كهدية. ولا أريد أن يعرف المتلقي اسمي، أو أن يشتري لي باقة ورد، أو حتى يقوم بالدعاء لي. أنا أقول لك من أعماق قلبي إنني لا أريد أن يكون لي قبر لتأتي إليه وتحزني وتعاني. أنا لا أريدك أن تقومي بارتداء الملابس السوداء حدادا علي، بل أن تبذلي قصارى جهدك لنسيان أيامي الصعبة، وان تمنحيني للريح لتأخذني بعيداً. العالم لم يحبنا يا أمي، وأنا الآن استسلم لذلك واحتضن الموت، لأنني في محكمة الله سوف أقوم باتهام المفتشين وقضاة المحكمة الذين آذوني في يقظتي ومنامي. في العالم الآخر، إنه أنا وأنت من سيوجه التهم لهؤلاء، وسننتظر لنرى ما يريده الله.. أنا أحبك يا أمي». كان هذا نص رسالة ريحانة جباري، مصممة الديكور الشابة، التي قامت بقتل رجل مخابرات إيراني في شقته عندما رافقته لوضع تصميم لها. كانت في الـ19 من عمرها، وقضت في السجن سبع سنوات، قبل أن تعدم شنقا في الأسبوع الماضي، وهي في الـ26 من عمرها، بعد أن رفض النظام جميع توسلات رؤساء الدول وعشرات الجهات الدولية المطالبة بوقف تنفيذ الحكم فيها. ثم نأتي بعدها ونتساءل، بهبل، عن مصدر كل هذا العنف الذي يلف كل مجتمعاتنا! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com