أؤمن بقوة أن «داعش»، أو استمرارها كقوة، ليست صنيعة أي نظام محلي أو عالمي. كما أؤمن بانها عندما ولدت لم يقل أحد انها صنيعة أميركية صهيونية، فما قامت به من إرهاب في معلولا وغيرها لم يختلف عما قامت به مع سكان الموصل ومع الإيزيدين وغيرهم تاليا، بل كانت الاتهامات تلاحقها وتتغير مع تغير مراكزها وساحات قتالها. ولكن ما الفرق بين من التحقوا بالدعوات الدينية سابقا، وبين ثوار «بوكوحرام» وشباب الصومال وجند داعش والنصرة وغيرهم؟ لا فرق تقريبا. فما يجمع بينهم هو الحرمان من الإمساك بيد فتاة، دع عنك معاشرتها. والفراغ العاطفي والشعور باليأس من المستقبل، والامل الكبير بأن شيئا ما سيتغير ان هم اتبعوا هذا الطريق وتركوا غيره. قد تكون الأزمنة والظروف مختلفة، ولكن بالتمعن في تصرفات وآمال وأحلام شباب الحركات الإرهابية في هذه الأيام، نجد ان جميعهم تقريبا كانوا في لحظة ما من دون مستقبل، وعاطلين عن العمل وضائعين، وربما مدمني مخدرات سابقين وتائبين أو مهتدين جدد، ومحرومين من الجنس، ورافضين لقيم مجتمعاتهم، وخاصة مسلمي أوروبا. وما يجعل غالبيتهم مستميتين في صراعهم هو شعورهم بأن لا أمل لهم تقريبا في العودة لبيئتهم السابقة، بعد أن قطعوا أواصرهم معها، خاصة أن غالبيتهم لا مستقبل مشرقاً تركوه وراءهم، ولا أسرة تنتظر عودتهم، وأمامهم حلم الفوز بالنساء إن انتصروا، وبالحور إن ماتوا. كما أنهم بعنفهم و«استماتتهم» في حروبهم يرفضون قيم مجتمعاتنا، وأن علينا أن نقبل بقيمهم وطريقة حياتهم، وأن قوانيننا المدنية لا تنطبق عليهم، وبالتالي من العبث الحديث بالمنطق مع هؤلاء أو مناقشتهم من منطلقات إنسانية، فالنصوص الدينية، حسب فهمهم، قد شكلت أفكارهم وغسلت عقولهم، واصبحوا لا يعرفون غير العمل بما فهموه منها. فشعور اليأس الذي كان يسكن أضلع هؤلاء، والأمل بالتغيير الذي يسيطر عليهم الآن أعمى بصائرهم عن رؤية أي شيء آخر غير تحقيق حلم الدولة الإسلامية، التي ستفتح روما وتستعيد الأندلس كما يحلمون.
وما يجعل الأمر أكثر تعقيدا أن خصوم أو أعداء هذه الفرق لا يعرفون الكثير عنهم، أو عما يدور في رؤوسهم، كما أنهم، وفي غمرة انتصاراتهم المتتالية غير قابلين للشراء، ولا يجرؤ حاليا أحد من محللي الغرب وعقوله أو صحافته على الالتقاء بهم، ومعرفة ما يدور في عقولهم. وبالتالي فإن الانتصار على «داعش»، بعيدا عن نظريات المؤامرة، لا يمكن أن يكون من خلال إرسال بضع طائرات حربية تدك مواقعهم وتنهيهم كليا، كما يطالب بعض المحللين السذج، فالحل صعب ومكلف وسيطول، وستسيل خلاله دماء بريئة وغير بريئة كثيرة، قبل أن ينتهوا، مؤقتا!
لقد انفقت أميركا، وعدد كبير من حلفائها، مليارات الدولارات، وضحت بآلاف الأرواح من جنودها، وبكل ما امتلكت من تقنيات ومخابرات في سبيل القضاء على بضعة آلاف من طالبان، ولكنها لم تنجح بعد أكثر من 12 عاما! فالقضاء على الإرهاب عملية معقدة، ولا يمكن تصور تحقيق نجاح كامل فيها من دون توفير وظائف لملايين العاطلين عن العمل، والقضاء على الطائفية والقبلية والفساد المجتمعي والحكومي، وتحولنا لأنظمة حكم مدنية، وبغير ذلك فإن «داعش»، وغيرها من منظمات إرهابية، ستستمر إلى الأبد.
أحمد الصراف