تنفرد الكويت بوجود نوعيات من الرجال فيها أصلب من الحجر، وأندر من العنقاء والخل الوفي، يبقون في مناصبهم سنة بعد أخرى، بالرغم من تغير الحال وتقلب الأحوال، وأحد هؤلاء مسؤول كبير في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. فبالرغم من كم الفضائح المالية والإدارية التي ابتليت بها الوزارة، وما تبع ذلك من إحالة عشرات موظفيها إلى النيابة العامة للتحقيق معهم فيما اتهموا به، وبالرغم من الظروف المأساوية التي تمر بها المنطقة بسبب داعش وغيرها، ومع وجود كل هذا الفكر المتطرف، فإن هذه الشخصية اختارت «الهروب إلى الأمام» من كل المشاكل التي تحيط بالوزارة، والقيام بشيء تنتفع به ويشغلها بعد تقاعدها. وهكذا قامت الوزارة بتأسيس هيئة عالمية إسلامية تعنى بضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء (هكذا)! وتعين تلك الشخصية رئيسا لمجلس إدارتها، وقامت، ربما بإيعاز منها، باختيار عاصمة أوروبية جميلة لتكون مقرا للهيئة! وقيل ان الهيئة ستكون مؤسسة علمية «إبداعية» لحماية الدعوة إلى الله من الانحرافات الفكرية أو الغلو والتطرف. كما ستكون غير ربحية! ولكن يبدو أن الوزارة تناست أن هذا ما قيل بالضبط عندما تم تدشين «مركز الوسطية»، الذي تأسس قبل سنوات، وصرفت الدولة عليه عشرات ملايين الدنانير، بعد أن عينت له أميناً عاماً من السودان، ومن الإخوان! ولكن المركز ومعظم القائمين عليه فشلوا في كل شيء، وازداد تطرف الشباب في فترة عمله القصيرة، وبالتالي كان من الضروري التفكير في مشروع هلامي آخر مدر أكثر للمال، علما بأن مصير هذه الهيئة لن يكون بأفضل من مصير مركز الوسطية، كما أنها ستحصل حتما على مبالغ طائلة من الحكومة الكويتية، وربما الحكومات الخليجية الأخرى، لدفع إيجار مقرها في بروكسل (لماذا ليس الطائف أو بريدة أو حولي؟)، هذا غير رواتب جيش موظفيها، الذين سيكونون جميعا من حزب الإخوان المسلمين. كما قالت الوزارة ان هذه الهيئة لن تكون جهة رقابية، بل ستتخصص في وضع المعايير الدعوية وتوجيه المؤسسات الراغبة في اعتماد المنهج والأساليب، وبأنها ستكون «خطوة استراتيجية» وتطورا ايجابيا، لضمان تجديد الخطاب الديني وفق معايير شرعية سليمة، بعيدا عن الغلو والتطرف أو الإهمال والتسيب، ولضمان مواكبة المتغيرات العصرية والتحديات الجديدة التي تواجه الدعوة الإسلامية في شتى أنحاء المعمورة! (هل فهمتم شيئا؟).
الطريف، أو ربما المحزن، أن تحت مثل هذه الكليشيهات والتعبيرات المبهمة، التي كثيرا ما تكررت مع مختلف مشاريع وزارة الأوقاف، سيتم صرف أموال طائلة على «ما ميش»، لتكون النهاية خسارة مالية كبيرة وهدر وقت ثمين في عمل لا طائل من ورائه. وبالتالي فإن المشروع ليس نقلة نوعية ولا تطورا منهجيا عميقا في تطوير الأداء، ولن يكون تجديدا للخطاب الديني، خاصة من بروكسل، حيث طيب المقام، بل سينتهي الأمر كله بهيئة فاشلة أخرى تنضم الى قافلة طويلة من اللجان والهيئات الفاقدة للهوية والهدف!
فيا وزير العدل والأوقاف الجديد الرجاء أن تتكرم على الكويت وعلينا، ووقف مثل هذا المشروع الوهمي، ومنع هدر الأموال، فظروف الكويت والمنطقة متجهة عكس تيار الهيئة والمشرفين عليها، ويكفي لرفضها أن من أسسّها عيّن نفسه رئيسا لمجلس إدارتها.
أحمد الصراف