تقول الطرفة ان الرئيسين بوش وبلير عقدا مؤتمرا صحافيا تحدثا فيه عن خططهما الحربية ونيتهما شن حرب على الإرهاب والدول المارقة، والقضاء على مئة ألف من العرب، وامرأة إيطالية شقراء! وهنا هبّ الصحافيون جميعا، وهم يتساءلون بصوت واحد: لماذا امرأة إيطالية شقراء؟ فنظر بوش لبلير، وابتسامة شماتة تبدو على وجهه، وقال له: ألم أقل لك إن لا أحد سيهتم بمصير مئة ألف عربي؟
تذكرت تلك الطرفة وأنا أقرأ مختلف الردود والمكالمات التي وردتني، اعتراضا وتعليقا على مقال الاستمتاع بالحياة واستخدام أفضل ما لدينا اليوم وعدم تركها للمقبل من الأيام أو الضيوف، حيث تناسى المتصلون والمعلقون لب المقال وركزوا جميعا تقريبا على آخر فقرة فيه، التي تعلقت بجزء من حياة الملك حسين، وكيف أن كل علاقاته وثراءه ومعارفه لم تشفع له او تنفعه وتنقذه من مرضه المميت! وتعليقا على المقال أخبرني سفير معروف بانه دعي في الثمانينات الى إفطار في بيت سفير لبنان في الجزائر، وفوجئ ليس بترتيب المائدة الجميل، بل بأواني الليموج وفضيات الكريستوفل والكريستال التي قدم الطعام فيها، ولما سأله ان كان يتوقع وصول ضيف مهم، فقال له انه ضيفه المهم، ولو لم يكن معه لما تردد في استخدام الأواني نفسها لنفسه. ويقول الصديق اننا فقدنا في هذه الأيام الذوق الرفيع، وأبسط قواعد وآداب المائدة، وأصبحت المظاهر أو show off هي التي تطغى على تصرفاتنا. ويقول انه عندما اشترى أول سيارة، ومثاله ينطبق علي شخصيا، قام من فوره بتلبيس مقاعدها وارضياتها ببلاستيك رخيص، خوفا من تعرضها للتلف. وعندما قرر بيعها، بعد سنوات عدة، قام بإزالة البلاستيك، لكي تبدو السيارة جديدة، وسلمها للمشتري غير مدرك أنه حرم نفسه من التمتع بأفضل ما فيها وترك للمشتري فرصة التمتع بمقاعد وارضيات جديدة، في سيارة قديمة. ونلاحظ كثيرا في هذه الأيام ان من يشتري سيارة جديدة لا يقوم بإزالة الأغطية البلاستيكية الشفافة التي تغطي مقاعدها، إما لمنع اتساخها واما لكي يبين للآخرين أن المركبة جديدة، غير عالم بأن تعليمات المصنع تتطلب إزالة تلك الأغطية فورا لضررها على الصحة. واعتاد صديق إهدائي، وربما إهداء غيري، مختلف الهدايا الغالية و«المذوقة» ولكن عندما تزور بيته تجد أنه يفتقد الكثير من وسائل المتعة والراحة، وهو بالتالي يفضل ان يبهر الناس بكرمه أو حسن تصرفه، على حساب راحته وراحة أهلة. والشيء ذاته ينطبق على الطعام، فالكثيرون يقومون بتقديم افضل الطعام لضيوفهم، ويبخلون به على أنفسهم واسرهم. وقد سمعت، ومن المؤكد ان غيري سمع الشيء ذاته، من أبناء بعض مضيفيهم، بأنهم يتمنون لو يستمر والدهم في استضافة الآخرين، لأنهم حينها يجدون على المائدة ما لم يعتادوا تناوله بغير وجود ضيوف!
نعود ونقول ان الحياة قصيرة، وان علينا الاستمتاع بكل لحظة قدر المستطاع، ولكن ليس على حساب صحتنا، وطبعا ليس على حساب الآخرين.
أحمد الصراف