لعملاق صناعة السيارات الأميركي هنري فورد جملة تهكمية شهيرة، قالها ردا على إلحاح زبائنه في الحصول على سيارات بألوان غير اللون الأسود، الذي تدهن به كل سياراته، حيث ذكر: بإمكان أي عميل الحصول على سيارة باللون الذي يرغبه، طالما كان ذلك اللون هو الأسود! أقول ذلك تعليقا على ما تتضمنه غالبية دساتير الدول العربية المتخلفة، وجميعها متخلفة، من نصوص تكفل حرية المعتقد، وهذا أمر غير صحيح، فلا دولة منها تطبق ذلك، وكان عليها أن تجعل النص: «حرية المعتقد مكفولة طالما كانت ضمن الإسلام»!
في مقال لبريان ويتكر، Brian Whitacker، المحرر السابق في «الغارديان» البريطانية، عن حرية المعتقد في الدول العربية، ذكر ان انعدام هذه الحرية جعل منها أرضا خصبة لأفكار داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية، مشيرا الى ما سبق أن تعرض له كويتي تحول الى المسيحية.
كما أشار ويتكر الى الصومالي محمد حاجي، الذي اتبع المسيحية عام 2000، وما حصل مؤخرا مع السودانية مريم إبراهيم، وكيف أن الأخيرين حكم عليهما بالاعدام، وحالت الضغوط الدولية دون تنفيذ الحكم بحقهما، مقابل خروجهما من أوطانهما. ويقول ويتكر ان الإكراه في الدين (بعكس الآية الكريمة التي تنص على ألا إكراه في الدين) والتمييز الديني حاضران على كل المستويات الرسمية والشعبية في أغلب الدول العربية، وليس فقط على مستوى الجماعات المتطرفة أو الإرهابية. ويقول ان هذا يتناقض تماما مع تضامن غالبية الدول العربية، التي تمنع حرية المعتقد، ضد تنظيم داعش، ومحاربته، على الرغم من أن الأرضية واحدة والفكر واحد بين الطرفين، فلا فرق بين داعش التي تمارس ايديولوجية الأقصاء والتمييز الديني، وغالبية الدول العربية التي تحاربها، والتي تقوم بالشيء ذاته!
كما أن رفض غالبية الدول العربية والإسلامية التوقيع، دون تحفظ، على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نابع من تناقض مبادئ الإعلان الأساسية مع سياسات هذه الدول، وأفكار مواطنيها في ما يتعلق بحرية المعتقد وحقوق المرأة، وغيرها من الأمور الحيوية والخلافية الكبرى. كما أن أنظمة عربية عدة، من التي جاءت عن غير طريق الانتخابات، تستخدم هذا التمييز كغطاء لشرعيتها.
وأشار ويتكر إلى أن «الفكر الداعشي» وقطع الرؤوس عثرا على أرضية خصبة في بلاد العرب، بسبب وجود عقلية التمييز الديني، التي سجلت حضوراً لافتاً على المستوى الشعبي، وكذلك على مستوى معظم الحكومات العربية، وهو الأمر الذي يجعل من تأييد العرب للحرب على داعش متناقضاً نوعاً ما في بعض الدول وواضحا في غيرها. كما شدد على أن مقاومة الفكر المتطرف هو الحل للقضاء على داعش، أو غيرها من الجماعات المتطرفة التي قد ترث عرشها في المستقبل.
ويتطابق كلام ويتكر مع ما سبق أن طالبنا به، من أن الحرب على داعش ليست عسكرية ولا أيديولوجية فقط، بل وسياسية بالقدر نفسه، فطالما أن هناك انظمة قمعية وجائرة فإن رفد أي حركة دينية بالمقاتلين سيستمر.
أحمد الصراف