يقول الباحث سيار الجميل ان العراق كان يقوم في عشرينات القرن الماضي بتدريس كتاب الأخلاق Ethics، وبعد انقلاب 1958 تغير موضوعه ليصبح «التربية الوطنية»، ثم جاء البعثيون للحكم فحولوه الى «التربية القومية»، وفي عهد صدام أصبح الكتاب يعرف بـ«تقرير المؤتمر القطري»! وليس هناك، حسب علمي، من يعرف شيئا عن تسلسل أو تاريخ تدريس مواد التربية الوطنية في مدارس الكويت، ولكن سبق أن درست شيئا من هذه المواضيع، وانها الآن اختفت تماما، بعد أن جاء الإخوان المسلمون والسلف ومعظمهم قضوا على كل تسامح ووطنية ومحبة للآخر، لتحل محلها، وبجرعات كبيرة، كتب المواد الدينية. وقد جربت سؤال الكثيرين من ابناء أقاربي، ممن تعلموا في المدارس الحكومية، فلم أجد لديهم ذلك الإلمام الديني الواضح بما درسوه. وبالتالي حرمناهم من الاستفادة من المعارف العالمية المهمة، ولم نوفق في الوقت نفسه في أن نجعلهم كما نريد، بل مجرد أشباه متعلمين، وقلة متطرفة على استعداد للقضاء على أرواحها وأرواح الغير فور سماع نداء ما للجهاد!
تقول صديقة ذات خبرة في التربية، سبق أن طلبت رأيها في مناهج التربية الدينية، انها وجدت في الكثير منها تكرارا مملا. وأن كتب التربية الإسلامية تنقسم في المرحلة الابتدائية والمتوسطة إلى كتب عقيدة وعلوم القرآن والحديث والسيرة النبوية والفقه والتهذيب، ويضاف اليها في المرحلة المتوسطة الثقافة الإسلامية (مقارنة بكتابي الدين والقرآن اللذين كانا يدرسان لنا مرتين او ثلاثاً في الأسبوع، في ايامنا)! وتقول انها على الرغم من عدم إشارة تلك الكتب الى وجود مذاهب متعددة في الإسلام، فإنها لا تدعو في الوقت نفسه الى نبذ الطائفية. كما أنها جميعها مستمدة من مصادر مذهب واحد. كما أن غالبية هذه الكتب تطرح مفاهيم لا تخرج عن شعارات عامة وكلام سردي لا يجمعه رابط واضح، ولا يتعامل مع السلوك العملي في الحياة والتعاملات اليومية. فمثلا تدعو الى الصدق والامانة والكرم، لكنها تبقى مفاهيم لا تعني الكثير للطفل بغير طرح أمثلة واضحة. كما أن هناك فهماً بأن هذه الفضائل تقتصر علينا، ولا تنطبق بالضرورة على الآخرين. فتقول مثلا ان المسلم ذو إرادة إيجابية، ولكن ماذا عن الآخر الذي اطعمنا وكسانا؟ أو أن الشباب المتمسك بدينه وأخلاقه سيبني عزة الأمة الإسلامية. وماذا عن عزة البشرية؟ كما تدعو الكتب الى مجالسة المحبين لله والصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم. ولكن ماذا عن مجالسة العلماء والفلاسفة؟ لا شيء طبعا، بل يفضل البعد عنهم. ثم تقرأ بأن الإسلام يجيب عن جميع التساؤلات التي تدور في النفس البشرية، وأنه الأكثر عناية بالإنسان. وهذه جميعها والكثير منها كلمات منمقة لها تأثير لحظي، ولكن عدم سرد مواقف أو أمثلة معها يجعلها تتلاشى من الذاكرة، واختلافها مع الواقع اليومي للطفل. وبالتالي ليس غريبا خلو الكتب المدرسية، والدينية بالذات، من مفاهيم عالمية مهمة تتعلق بحب واحترام العمل وإتقانه والالتزام به، وتقبل الآخر، والحث على التفكير وحب تلقي العلم، وغيرها من المفاهيم العالمية. بل هناك تناقض واضح مع مواد دينية أخرى. والخلاصة أن الموضوع خطير ويتطلب نفضة شاملة.
أحمد الصراف