حذرنا وحذر غيرنا أكثر لمسألة تأويل النصوص الدينية وربط بعضها بالاكتشافات والاختراعات الحديثة، والادعاء بأننا عرفناها قبل من اكتشفها بألف سنة او أكثر! وخطورة ذلك تكمن في أن من الممكن جدا أن تتغير هذه الاكتشافات أو النظريات، او يظهر عكسها، حينها ما الذي سيقوله هؤلاء المؤولون؟
سبب هذا الاستعجال في نسبة أمور علمية لنصوص دينية يتعلق بحماسة البعض المفرطة لأفكاره، وهي الحماسة نفسها التي تسود الكثير من تصرفاتنا، والتي دفعت نوابا في برلمان الكويت مثلا للمطالبة بمنح لاعب كرة قدم، حقق هدفا في مرمى فريق آخر، تصادف انه العراق وليس الإمارات، منحه شرف الحصول على جنسية الكويت! ولكن سرعان ما خسر فريق ذلك اللاعب في مباراته التالية، وكانت هزيمته فادحة ومخزية، وربما كان لذلك اللاعب دور في وقوع تلك الفضيحة الهزيمة، وإن بصورة غير مباشرة، والآن هل سيحاول النواب من مقدمي اقتراح التجنيس الاستمرار في طلبهم؟!
والسؤال الأهم من ذلك: كيف يمثل الكويت، في مباراة دولية من لا يحمل جنسيتها؟
كما أن طبول من يدّعون التدين ويسعون لهداية الناس، وبالقوة غالبا، لم تتوقف وزماميرهم لم تصمت ومقالاتهم وخطبهم لم تتوقف في الثناء كلما اعتزلت فنانة الفن وتحجبت، حيث حدث الأمر ذاته قبل عشر سنوات تقريبا مع الممثلة «موناليزا»، التي لم تكتف بأداء العمرة واعتزال الفن وارتداء الحجاب، بل قررت التخلي عن مسيحيتها، حيث وجد هؤلاء الدعاة في هذه الفتاة الغرة والمتواضعة الفهم صيدا سمينا، فدفعوا لظهورها المتكرر على القنوات الدينية لشرح سبب تخليها عن عقيدتها، وفكرتها عن الحجاب وفضائله وفوائده، وكيف أن الدين يفرضه. والآن، وفي خطوة مفاجئة قررت الست «موناليزا»، التي أصبح اسمها بعد إسلامها واعتزالها «منى» والتي بدأت مشوارها الفني مع محمد هنيدي في فيلمي «همام في امستردام» و«عمر 2000» وبعدها في «اصحاب ولا بيزنس»، وغيرها من مسرحيات ومسلسلات، التخلي عن حجابها والعودة للتمثيل بعد اعتزالها الطويل!
والآن ما الذي سيقوله الذين سبق ان طبلوا عندما أسلمت «موناليزا» وزمروا عندما تحجبت واعتزلت الفن؟ هل سيقومون بلعنها أم بلحس كلامهم؟ وهل سيعتبرون أن عودتها للتمثيل وخلعها الحجاب هزيمة لأفكارهم، مثلما اعتبروا اعتزالها وتحجبها نصرا لها؟ وهل ستقوم القنوات التلفزيونية والمطبوعات التي استغلت اعتزالها وتحجبها لمصلحة «سياساتهم الدينية» بمقابلتها الآن وسؤالها عن سبب عودتها عن آرائها في الحجاب والاعتزال، أم سيتجاهلونها رغبة في تغطية خيبتهم؟
أحمد الصراف