النوستالجيا Nostalgia أو الحنين للماضي شعور يكتنف أفئدة الكثيرين، وخاصة كبار السن الذين لا ينفكون عن مقارنة الأمس بسوء الحاضر. فأغاني أم كلثوم افضل من أليسا، وأفلام فؤاد المهندس أروع من مسرحيات عادل إمام. كما أن العلاقة بين الآباء وأبنائهم، بنظرهم، كان يتخللها احترام كبير، أما اليوم فأسلوب التعامل مختلف، ويعتقدون أن الأصول التي كانت تتبع في العلاقات الاجتماعية حل محلها البعد والجفاء وقلة الإيتيكيت، وليس مستبعدا طبعا أن آباء نفس هؤلاء «النوستالجيين» كانت لديهم نفس شكاوى أبنائهم الآن، فكل جيل يحن للذي قبله، والكل يتحسر على الماضي، وكيف كانت الدنيا بخير وأمان، غير مدركين أن لكل جيل اسلوبه وطريقة تصرفه المختلفة عن غيره، وخاصة في المجتمعات العصرية الأكثر ديناميكية وتحركا وتأثرا بغيرها.
ويتحسر البعض، إن في مقالاتهم او أحاديثهم، على الحياة التي مضت! فأهل العراق وليبيا وسوريا ولبنان وغيرها يتحسرون على الماضي، ويتوقون لسابق ايامهم، يوم كانوا ينعمون برغد العيش والأمان والاحترام، وكيف اختفى كل ذلك بين يوم وليلة، لتصبح مجتمعاتهم بلا نظام، ودولهم بلا احترام، وشوارعهم بلا قانون، وقضاؤهم بلا هيبة، ولتحل العصابات محل قوى الأمن، والميليشيات محل الجيش، ولينتشر المفسدون ورجال العصابات المسلحة، ويكثر النهب والسلب دون عقاب. كما نجد أن البعض، خاصة من كبار السن، يحنون للعهود الملكية، ويقارنون سابق اوضاعها بأوضاع مجتمعاتهم اليوم، وكيف اصبحوا يفتقدون الذوق والجمال، دون إدراك أن التحسر على الماضي والحنين له هما سمة سائدة في كل المجتمعات، ولكنهما أكثر حدة في المتخلفة منها، التي لا تؤمن لا بالتخطيط ولا بحساب المستقبل ولا بتوازن الدخل مع متطلبات المعيشة. فسبب الحنين للماضي يكمن غالبا في أن الحياة كانت أكثر سهولة في الماضي، والوظائف أكثر توافرا، والأسواق أكثر قربا، والمسافات أقل بعدا، والأفواه التي تتطلب الطعام يوميا أقل عددا. كما زادت الحاجة للكساء والمسكن والمدرسة، مع تناقص في الموارد إن نتيجة إجهاد المصانع والأراضي الزراعية، أو ما تعانيه أنظمة هذه الدول من فساد وتخلف، وهي المجتمعات نفسها التي ترفض مجرد الحديث في موضوع تحديد النسل، دع عنك تطبيقه. فعدد سكان كوريا ومصر مثلا واقتصادهما كان متقاربا في الخمسينات، بل كان الاقتصاد المصري أكثر تقدما. ولم يتطلب الأمر غير نصف قرن لتنقلب المعادلة، وتصبح كوريا الأكثر تقدما بكثير، بدخل قومي يزيد على 1305 مليارات دولار، مقارنة بدخل مصر البالغ أقل من 300 مليار، والسبب أن الأولى آمنت بالعلم وبتحديد النسل، وكفرت الثانية بهما. ومن الطرائف التي انتشرت في لبنان مؤخرا أن متسولة تقدمت تطلب مساعدة، قائلة ان لديها سبعة اطفال، وهنا فتحت سيدة حقيبة يدها وناولتها لفافة فنظرت لها المتسولة مستفسرة عما هي، فقالت لها السيدة ان فيها وسيلة لمنع الحمل، وأن مشكلتها ليست الفقر بقدر ما هي في تحديد النسل، فكلما زاد السكان زادت الأفواه، والحاجة للطعام والدواء والكساء والتعليم والمسكن وغير ذلك الكثير. ولكن على الرغم من وضوح مثل هذا الأمر، وكل هذا الخراب والدمار والتخلف، فإننا لا نزال نصر على تحريم تحديد النسل!
أحمد الصراف