قالت لي سيدة ذات يوم إنها تتذكر أيام كيف كان «أولاد الفريج» يرمون عليها كلمات الغزل وهي تفور أنوثة وجمالا حين كانت في السادسة عشر من عمرها خلال عشرات من الأمتار تقطعها وهي نزولا من باص المدرسة ظهرا في أول «الفريج» إلى مدخل منزلهم في .. منتصفه! إلى هنا والقصة عادية تحدث مثلها ملايين القصص في كل أنحاء الدنيا كل يوم..لكن أساطير الشرق وعالم أمة العرب الغامض يختلف قليلا عن غيره إذ تكمل السيدة التي بلغت الأربعين لكنها تبدو في الثلاثين قائلة « جرأتي في شتم هؤلاء الصبية تبلغ أقصى حدودها فأستخدم مفردات بذيئة تعلمتها من زميلات المدرسة ذلك المجتمع المحرم الذي لا يعرف ثقافة الاختلاط في المدرسة أو المنزل أو الشارع أو السوق أو حتى في الزيارات العائلية »!!.
تكمل المرأة حديثها الغريب وتساؤلها الأغرب «هل تصدق أنني لم أكن أشعر بالخجل وأنا أقذف هؤلاء الصبية بكل هذه الشتائم المقذعة وبصوت أعلى من أصواتهم جميعا لو صرخوا في وجهي بصوت واحد لتمر الأيام والشهور ويخفق قلبي لأحد هؤلاء لأجد نفسي انا الفتاة الجريئة عاجزة عن أن أتلفظ بكلمة حب علنية له في الشارع ! كيف نجهر بالكراهية ولا نستطيع الجهر .. بالحب»؟. تساؤل السيدة مشروع وهو مطروح على طاولات فلاسفة العرب والمسلمين القدامى منهم والمعاصرين ..لإيجاد جواب له .. لعل وعسى !!
كنت في بلد بعيد تأكل جوز الهند وتركب الحمير والبغال واحتجت أن أرسل موضوعا هاما كتبته على عجل، أعطيت الأوراق لموظفة الاستقبال في الفندق الصغير طالبا إرساله بالفاكس إلى الكويت! مرت حوالي ثلاث ساعات والمسكينة تحاول جاهدة ولكن الخطوط الهاتفية ضعيفة وأنا في أقصى بلاد الناس حتى نجحت أخيرا في إرسال الأوراق الثلاثة فجاءت تبشرني وانا أجلس على مسافة أمتار منها فما كان مني إلا أن قلت بالإنجليزية «أنت رائعة» وأنا أحبك كثيرا لم أكن أقصد ذلك الحب الذي يربط بين اثنين ضرب كيوبيد سهامه باتجاه قلب كل منهما بل هي جملة تعبر عن «الامتنان والشكر والتقدير» المرأة كانت تعرف ذلك المعنى جيدا وتدرك أن «حبي» لها هو «امتنان» وليس ذلك الحب الحارق للأكباد والكلى ..والكلاوي!! ومع ذلك رأيت وجهها قد أشرق وبرقت عيناها ولمعت وكأن شعاعا من الليزر انبعث منها وقالت لي :«أوه .. كم رائعة هذه الجملة التي قلتها لي لم أسمعها منذ سنوات طويلة» صدق رسولنا الكريم حين قال:«الكلمة الطيبة صدقة» وكيف أن مفعولها كالبلسم الشافي على الجروج..القديمة!. صديق كان برفقتي علم بالقصة فضحك واتهمني بـ«الجرأة الزائدة» التي تدفعني لأن أقول لإمرأة إنني ..«أحبها» حتى ولو كان «حبا يعبر عن امتنان وشكر» فسألته : «ولوإنه كان مكاني ولم تستطع المرأة أن ترسل الأوراق بالفاكس مما يجعلك تغضب كثيرا فهل كان سيخجل من ..شتمها»؟! أجاب :«بل ..سأشتمها بكل ما لدي من حنجرتي من ..قوة واداء»!! ويبقى السؤال :«لماذا نتجرأ في الشتم والكراهية ونخجل من الكلمة الحلوة ..والحب»؟!