يعتبر دستور الولايات المتحدة الأميركية، الذي صدر قبل 226 عاماً، فريداً في ليبراليته وعلمانيته. ويعتبر المحامي الأميركي الشهير وليم غرين إنغرسول، الذي وُلد عام 1833 ابنا باراً لذلك الدستور الأول من نوعه، والذي أثر في دساتير دول كثيرة بعدها.
كان سياسياً كبيراً، وخطيباً مفوهاً ومدافعاً عن الحقوق المدنية في العصر الذهبي للحرية الفكرية في أميركا. تأثر بآراء ومواقف والده، الذي كان قساً مستنيراً وسابقاً لعصره، ومؤمناً بالمساواة بين البشر، ومعارضاً لسياسات التفرقة العنصرية.
لإنغرسول أقوال وخطب شهيرة ستبقى خالدة، ومنها مقاله عن العلمانية الذي لايزال صالحاً ليومنا هذا، حتى بعد مرور أكثر من 150 عليه.
يقول إنغرسول: العلمانية هي دين الإنسانية جمعاء، وتهتم بما يؤدي إلى رفاهية البشرية عن طريق الحكم والسعي لتكريس الضمان الحقيقي، ضمان احترام حقوق الإنسان، وهذا يعني إعطاء كل فرد الحرية الخاصة به.
وتعني العلمانية إعلان الاستقلال الفكري للإنسان، وتعني أن يصبح الجالس تحت المنبر أكثر سمواً ممن يعتليه، فهم الذين ينتجون ويحققون الموارد، ويتولون زمام الأمور. والعلمانية هي احتجاج صارخ ضد كل أنواع الاضطهاد والاستبداد الدينيين، وثورة ضد كل أنواع العبودية، وتحت أية صورة كانت.
إنها ثورة على مضيعة الحياة والاسم الآخر والصحيح للفطرة السليمة، وهذا يعني أن نتأقلم مع الوسائل المفهومة جيدا في المساواة والتعليم والحرية. والعلمانية تؤمن ببناء الوطن في هذا العالم، وليس في غيره، وأنها تثق بجهود الفرد، فهي تمثل الحيوية والذكاء والملاحظة بالتجربة، عوضاً عما هو مجهول أو خارج عن الطبيعة، فهدفها هو تحقيق سعادة الإنسان بالاعتماد على النفس على نحو واسع. كما أن العلمانية تضمن للبشرية الراحة والاستقلال والذكاء والأهم من ذلك الحرية، الحرية التي تعني القضاء على النزاعات الطائفية الناتجة عن الضغائن الدينية. والحرية تعني ثقافة الصداقة والكرم الفكري. وتعني أيضا، الحق في أن تعبر عن افكارك رغما عن القيود العقائدية التي يضعها الكهنة. والعلمانية تعني تحطيم مشاريع أولئك الذين يتاجرون بالخوف، وهذا مكمن خطر العلمانية الحقيقي على المعارضين لها. انتهى.
ولو نظرنا في كلام هذا المفكر الذي سبق عصره، لوجدنا أن من الاستحالة تحقيق أي نوع من الديموقراطية الحقيقية من دون علمانية، يتساوى فيها الجميع أمام القانون العام!
يقول الصديق عبدالرزاق الصالح، مغرداً: لا يمكن لمجتمع أن يتطور من دون حراك، ولا يمكن أن ينشأ حراك من دون تعدد آراء، ولا يمكن أن تتعدد الآراء من دون حرية رأي! ونضيف: ولا يمكن أن تكون هناك حرية من دون ديموقراطية، ولا ديموقراطية من دون علمانية.