حقاً هو «وضع حقير مفجع» في الخليج والعالم العربي… سببه التناحر الطائفي!
حادثة الإحساء الإرهابية يمكن أن تقدم صورة شديدة الخطورة لذلك «الوضع الحقير المفجع»، وهي عبارة قالها المفكر البحريني علي محمد فخرو في ندوة أقيمت بمجلس يعقوب سيادي يوم 2 يوليو/ تموز 2013، من المفيد استحضارها اليوم في وقت تنبئ فيه الأحداث والوقائع بأن وقت «تهاون حكومات الخليج والعالم العربي والإسلامي» مع المتشددين والتكفيريين والإرهابيين لابد أن يتوقف.
فحين يطرح فخرو ومن مثله من المفكرين والمثقفين والشخصيات الخليجية والعربية والإسلامية تشخيصاً دقيقاً يكشف خطر «المحنة الكبرى»، فإن ثمة تساؤلات تُثار على صعيد غياب أو تغييب المواطنة المتساوية والديمقراطية والعدالة في مجتمعاتنا، ولعل التساؤل الأهم: إذا كانت دول الخليج والعالم العربي والإسلامي تمر بمحنة شديدة الخطورة، أوليس الأولى الاستفادة من مرئيات وقراءة هذه النخبة؟ أم أن الاكتفاء بما يطرحه من يثقون بهم من المستشارين وراسمي السياسات المفرغة من أية معطيات حقيقية – سواءً كانوا عربًا أم غيرهم – هم السند فيغدقون عليهم الأموال والامتيازات بلا طائل ولا فائدة ترجى؟
لقد شخص فخرو آنذاك، وهو طرح في غاية الأهمية، أن الأوضاع المسببة للإنقسام الطائفي (المسكوت عنه خليجياً وعربياً وإسلامياً منذ ردح من الزمن وبات يشكل لهم هاجساً مخيفاً اليوم)، يشكل جزءًا منها العيش في التاريخ بفهم خاطئ وبصورة مسيئة نراها في المساجد والمآتم والقنوات الفضائية، حيث المذهبية والطائفية تستخدم يومياً من أجل أهداف سياسية ومالية ودنيوية، ما يجعل الحل للمشكل الطائفي صعباً، ونبني بذلك إنساناً عربياً مسلماً لديه قابلية ممتازة للطائفية يلزم حتى نواجهها أن نتخلص من جوانب مرتبطة بالطائفية كالتاريخ والثقافة والكلمات والأوصاف.
والغريب في الأمر، مع ما أشار إليه فخرو، أنك تجد مسئولين ومشايخ وشخصيات وإعلاميين يلعلعون ليل نهار محذّرين من الطائفية والإنقسام الطائفي والدعوة إلى التعايش السلمي… كل ذلك في الإعلام! لكنهم في حقيقة الأمر، جزء مقلق وخطير في ممارسة كل المساوئ الطائفية.
دعونا أيها الأحبة نركز قليلاً في تساؤل لفخرو قال فيه نصاً: «أي نظام تعليمي في الأرض العربية أو الإسلامية يدرس الدين الإسلامي بموضوعية وبإنصاف للطلبة بحيث ينقل ما تقوله المذاهب الإسلامية الأخرى؟ نحن في البحرين، وبصراحة تامة، أليس المفروض أن دراسة الدين الإسلامي تكون دراسة معمقة للمذهبين السني والشيعي والمذاهب الأخرى؟ وعندما لا نفعل ذلك، هل ننتظر من الأولاد القادمين من بيوتهم المبنية ثقافتهم على الإنقسام الطائفي والفهم الخاطيء… هل ننتظر منهم أن يعدلوا من أنفسهم؟».
الربط بالتاريخ، في حال الرغبة في تشخيص أكثر دقة للوضع المفجع الحقير، هو أمر مهم أيضاً، ذلك أن التاريخ هو الخلفية الثقافية القائمة على الاستبداد والصراع الداخلي، فالخلافات الثقافية التي ظهرت فيما بعد العهد الراشدي (شيء لا يتصوره العقل) كما يشدد فخرو! فكم من المسلمين يعرفون أن المذهب ليس قضية دينية بل هو مدرسة اجتهادية بشرية في قراءة التاريخ؟ ولو حاولت أن تناقش أحداً فيما جاءت به المذاهب الفكرية، قد يتهمك بأنك سببت الدين بل وخرجت من الدين! وقليلون يفهمون بأن الفقه الإسلامي هو نتاج بشري، فعندما تأتي الوهابية وتقول عن الإباضية أنهم خارجون عن الدين، طيب الوهابية مذهب، والإباضية مذهب، السنة والشيعة كلها مذاهب، وكلها نتاج بشري، لكن إذا لم نتمكن من إزالة هذه الأفكار الثقافية الخاطئة فالوضع صعب».
واقعاً، من حقنا أن نتساءل: «ما شهدته الأمة في عقود طويلة، وعلى الأخص في السنوات الأربع الماضية وتدهور الأوضاع في أكثر من بلد عربي وإسلامي وبروز إعلام الذبح والتكبير الزائف الذي تمثله «داعش» كصورة هدامة للإسلام كدين سماوي صالح لكل البشرية بتسامحه وأخلاقه ودستوره القرآن العظيم، ألم يسهم فيه الإعلام العربي والإسلامي؟ فواجهته الكبرى تظهر اليوم من خلال آلة التدمير في الفضائيات الطائفية ووسائل الإعلام الجديد، وهي تعمل باجتهادٍ من أجل إشعال الصراع المذهبي إلى أعلى درجاته، وتطبق سياسات كيان العدو ضد العرب والمسلمين لتمزيقهم، وتبدو الكثير من الحكومات العربية متآمرة مع هذا الاتجاه، لكن ربما يعيد الصهاينة حساباتهم مع العدوان الوحشي المستمر على المسجد الأقصى وتكرار مجازر غزة وفق قراءة المشهد الإقليمي العام، ومع ذلك، لن يعيد الطائفيون وأسيادهم حساباتهم إلا في حالة كونها تصب لصالح أسيادهم الصهاينة.
إن «الوضع الحقير المفجع» ليست مجرد عبارة قالها مفكر بحريني عربي مسلم، بل هي تشخيص عميق الصراحة، يحمل معه رؤى تبريد الأوضاع – خصوصاً في منطقة الخليج – من خلال تكريس المواطنة الحقيقية والعدالة الاجتماعية والشراكة في صنع القرار السياسي وإخراس أصوات وإعلام التكفير والتشدّد والتطرف الذي كان حلواً يوماً ما، لكنه اليوم، أشد خطورة من زحف الأفاعي الفتاكة.