«في إمكان المقاومة أن تهزم أعداءها في فكرهم وأخلاقهم و سلوكهم ومرحلتهم التاريخية قبل أن تهزمهم في ساحة المعركة» هكذا انتقل المناضل ( شفيق الغبرا ) من عالم النضال المسلح العنيف الذي اكتظت به الخسائر البشرية والمادية ، إلى عالم النضال الفكري الذي مازال مستمراً به ليخدم قضية وطن سلب منه وعاش في فكره واستوطن قلبه منذ نعومة أظفاره.
المقاومة لدى ( الغبرا ) لم تنتهي بل أخذت أشكال أخرى مستمرة ومؤثرة حتى وقتنا الراهن ، وهي مقاومة أقل تدميراً للإنسان والحياة ، وأكثر تفاؤلاً بالمستقبل والبناء . هكذا يصف «الغبرا» المقاومة المدنية التي تعززت في فكره و شخصه و حياته ، ومما لا شك فيه أن مشاهد قصة «حياة غير آمنة» كفيلة بأن توضح ذلك التحول والانتقال من ميدان القتال في جنوب لبنان في سبعينيات القرن المنصرم إلى ميدان أكثر أمناً واستقراراً ؛ استطاع من خلاله كتابة صفحات عديدة و مليئة بالتجارب المختلفة.
شفيق ناظم الغبرا ينتمي لأسرة فلسطينية من حيفا انتقلت إلى دولة الكويت في عام ١٩٥٢م ، بعد احتلال القوات اليهودية أجزاءً من فلسطين عام ١٩٤٨م . وفي عام ١٩٥٣م ، أبصر شفيق الغبرا النور في دولة الكويت . ومن هنا بدأت نشأته الاجتماعية والتعليمية والثقافية انطلاقاً من أسرته وعلى رأسها طبيب القلب ( ناظم الغبرا ) طيب الله ثراه ، الذي حصل على الجنسية الكويتية مقابل أعماله الجليلة وجهوده الطبية التي قدمها في تلك الفترة ؛ ومروراً بمدرسة المأمون الحكومية في الكويت ، ثم الدراسة في لبنان ، ثم الدراسة في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية والتخرج منها في عام ١٩٧٥م .
من هنا تبلورت ملامح النضال واكتملت لدى وصول الغبرا أراضي جنوب لبنان ( العرقرب ) ، وانضمامه إلى (السرية الطلابية / كتيبة الجرمق) ، واختيار أسمه الحركي ( جهاد ) ؛ ليواجه حياة غير آمنة لا تشبه على الإطلاق حياته الدراسية في الخارج وما تخللها من مغامرات سياسية أخذت شكل الكفاح السلمي لأجل القضية الفلسطينية شأنه في ذلك شأن آلاف الفلسطينيين والعرب ، اللذين اختاروا مسار اللاعنف ( رفض التطبيع – إحياء الذاكرة – الحفاظ على الهوية – المظاهرات السلمية … الخ ) .
إن هذه القصة ما هي إلا نتاج لتجربة إنسان اختار حياةً بعيدةً عن الرفاهية و الاستقرار ؛ لترجمة مبادئ آمن بها منذ بداية نشأته والتي دفعته لحمل السلاح و الدخول في عالم لا يضمن البقاء به . ذلك العالم الذي راح ضحيته آلاف القتلى، و كشف عن عمق الآلام التي مازالت تعيش بيننا ، إنه عالم العنف ( الحرب ) الذي عاش به جهاد حاملاً سلاحه وفكره في آن واحد .
كانت العلاقة بين الفكر ( الغبرا ) والسلاح ( جهاد ) قوية وحاضرة في صفحات هذا الكتاب ، وهذا ما يفسر رفض الغبرا استمراره في حمل السلاح ضد أطراف من المفترض أن تكون بجانبه ، وبجانب قضية وطن تم احتلاله ، وعودته إلى معسكر أكثر نضجاً استطاع من خلاله خدمة القضية الفلسطينية عن طريق الفكر الذي كان من نتائجه هذا الكتاب . لذلك يمكن القول بعد قراءة الصفحات أن حمل السلاح دون فكر ما هو إلا هزيمة في حد ذاتها .
«لا يمكن هزيمة الأعداء دون إعداد الفكر»
آخر مقالات الكاتب:
- ساعة مع الغنوشي
- من هم الإسلاميون التقدميون؟
- الإسلاميون والكماليون في تركيا: صعود الهامش وتراجع الأساس
- الحشاشون في المخيلة الروائية
- قراءة في قرار مشاركة “حدس”
- وعود حزب النهضة التونسي
- حزب حركة النهضة التونسي : من خيار الدمج إلى خيار الفصل
- أزمة الفكر العربي
- قراءة لقصة مناضل يعيش بيننا الآن
- لم تكن سجيناً يا أبا حمود