قرر “مصدر حكومي مطلع” أن الحكومة لن تقدم أسباب سحب الجناسي للمحكمة في قضية عائلة البرغش، الخبر جاء في صحيفة القبس، الأربعاء، ولا يبدو واضحاً، من الخبر، ما إذا كانت محكمة الاستئناف قد ألزمت الحكومة بتقديم أسباب سحب الجناسي، أو أن القضية تأجلت كي يرد ممثل الحكومة على طلب الخصوم، وهم عائلة البرغش (ضحايا إعدام الهوية)، من الحكومة تقديم أسباب سحب الجنسية. أياً كان موضوع الخبر بالألفاظ المبهمة التي ورد بها و”مصدره الحكومي المطلع”، فالسؤال المطروح يبقى، ماذا يمكن للخصم (البرغش) أن يصنع أمام الرفض الحكومي لتقديم أسباب سحب الجنسية؟
ألقيت نظرة سريعة على قانوني الجزاء والإثبات، ولم أجد ما يمكن أن يسعف وضع الضحية (عائلة البرغش) أمام الهيمنة شبه المطلقة للسلطة التنفيذية إزاء هذا، ولا يمكن تصور كيف يمكن للقضاء أن يلزم وزارة الداخلية بتقديم “سبب السحب”، وتوقيع العقوبة عليها في حال تعنت الوزارة برفض تقديم الأسباب، بافتراض أن المحكمة “ألزمت” السلطة بتقديم سبب السحب، ولم تؤجل الدعوى كي تقدم الحكومة ردها في طلب سحب الجنسية.
في أحوال سابقة نأت السلطة القضائية عن النظر في أسباب سحب الجنسية أو قضايا الجنسية، بوجه عام، باعتبارها من مسائل السيادة، والتي تخرج عن رقابة القضاء بنص القانون، وإن كانت فكرة “السيادة” بهذا الشكل الاستبدادي المطلق تتطلب إعادة نظر في شروط إعمالها وتخومها، وتفترض الإجابة المبدئية عن مدى دستوريتها بالشكل الوارد في نصوص قانون إنشاء المحكمة الإدارية الذي انتقص من حق القضاء من النظر في مسائل الإبعاد ودور العبادة والجنسية.
ونتساءل هل يجوز أن تسمو مسألة “السيادة” على حقوق الأفراد وحرياتهم…؟! أسئلة كثيرة يمكن إطلاقها إزاء الواقع المحزن للدولة بعد قضايا سحب الجناسي من أفراد بسبب مواقفهم السياسية، وجاء السحب فيها “كعقوبة” بالغة القسوة، ضد ممارسة حرية التعبير، وإن قامت السلطة بإسباغ ثوب “المشروعية” بزعم أن سحب الجنسية كان لأسباب الخطأ في اكتسابها، وكأن الذي اكتسب الجنسية أساساً دون وجه حق كما تقول السلطة الواحدة، قام بفعله وحده، ولم تبارك السلطة التنفيذية، بصوة عمدية، حصوله غير المشروع على الجنسية، فيما لو صح مثل هذا الزعم السلطوي.
لنعد لسؤال ماذا يمكن للأفراد الضحايا في مثل هذه القضايا أن يصنعوا، أمام واقع تمثلهم ببيت شعر المتنبي “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”؟ لا شيء، طالما ظلت هي قضايا تخص البرغش أو سعد العجمي أو الجبر أو العوضي، وغيرهم، وليست قضية عامة لكل المواطنين تهز وعيهم وتستنهض هممهم كي يققوا ويسألوا: ما معنى سيادة الدولة، وما جدواها إذا لم تكن للشعوب سيادة أساساً؟!