الأوضاع الإقليمية حساسة، أو “تمر في منعطف حرج” كما تقول بيانات الاجتماعات العربية. والكتابة عن الوضع السياسي الإقليمي الراهن ستقودك من متاهة إلى متاهة، كمتاهات المرايا، وستصطدم جبهتك الغراء في سبع مرايا إحداهن بالتراب، وستحال، جنابك، إلى النيابة، بسرعة البرق، وقيل بل بسرعة الضوء، غير محسوف عليك، وستدفع كفالات لا طاقة لك بها، إلى أن يحين موعد محاكمتك، في أي بلد عربي كنت.
“هذا الصحيح وقولوا اللي تقولون”، كما يردد شعراء المحاورة. فالكتابة عن الوضع الإقليمي من دون ذِكر إيران، وسوالف إيران، وغشمرة إيران، ضربٌ من الاستهبال. لكن إياك أن تكتب عن إيران من دون أن ترتدي خوذة، تحمي جمجمتك من القصف الطائفي المكثف.
وإن كتبتَ عن الحوثيين، فأنت تكتب عن حزب الله اللبناني، والكتابة عن هذا الحزب هي كتابة عن إيران. هكذا بالضبط، سلسلة بعضها متصلٌ ببعض.
وبالطبع لا يمكن أن تغفل دور مصر وقياداتها في الحالة الإقليمية، لكنك إن كتبت عن مصر والسيسي، فعليك أن تتحسس رؤوس أمك وأبيك وزوجتك وبنيك، وفصيلتك التي تؤويك، قبل أن تنهمر عليهم الشتائم، من غالبية إعلاميي مصر، انهماراً لم يُخلق مثله من قبل. وستجد، فجأة، أنك سليل عائلة عميلة خائنة، وأن المرحوم جدك هو الذي صاغ بروتوكولات حكماء صهيون، بقلمه الباركر، رغم أن جدك أميٌّ يشار إليه بالبنان. وستكتشف أن جدتك “مزنة” ماسونية مخضرمة، وجدك الأكبر “بداح” هو الذي موّل الطابور الخامس بـ”الماستر كارد”. أي والله.
وليس أمامك، إن أردت التعليق على الحالة الإقليمية الراهنة، أو إبداء رأيك فيها، إلا أن تكتب على طريقة كليلة ودمنة، فترمز للدولة هذه بالأسد، وتلك أرنب، والثالثة زرافة، وهكذا… أو أن تكتب على صفحة ماء.