استكمالاً لمراجعتنا لواقع الفساد في الكويت في المقال السابق، نورد اليوم، الجوانب الأخرى من القضية:
6 ـ إن تراكمات الفساد وتلاحقه قد ساهم فيه معظم، رجال هذه الفترة (1992 حتى الآن)، ممن كان يرفع شعار محاربة الفساد أو وقوفه ضده بذلك، فهو إما متورط فيه، أو جزء منه، أو مساهم فيه، سواء كان من وزراء الحكومة أو أعضاء مجالس الأمة المتلاحقة أو الوجهاء اجتماعياً او الفاعلين اقتصادياً، بمن فيهم قيادات وشخصيات العمل السياسي وتياراته حتى اليوم.
7 ـ إن التعامل الذي سار عليه معظم وزراء ومسؤولو هذه المرحلة وأعضاء مجلس الأمة كانت سمته الأساسية تبادل الأدوار في الاستفادة منه، وبصور عديدة، سواء بالسكوت على الممارسات الحكومية التي تردت بسببها أوضاع البلد، ربما مقابل حصول نائب على صفقات مالية وعقود مشبوهة أو تحويلات لمحاميه لحساباته، أو لعلها تعيينات هلامية وتنفيعية لناخبيه، حتى عرف بعض هؤلاء النواب بألقاب «عراب أو عرابو» صفقات التكسّب بترهيب الحكومة، وهو ما كشفته الأيام، وصرح بشأنه الوزير السابق أحمد العبدالله أن السؤال له ثمن والاستجواب له ثمن، وقد قال الحقيقة.
8 ـ أما معظم الأعضاء فقد رهنوا مقاعدهم النيابية لمن يدفع أكثر، وقد اشتهر بعضهم بلقب «مزاد ما بعد منتصف الليل»، وبعض أصحاب النفوذ وبعض الوزراء كانوا يدفعون لهم مقابل استجواب وزير، أو سحب سؤال أو تصويت باتجاه محدد، والبلد تكبد على مسمع ومرأى هؤلاء معاناة تفشي الفساد وعرقلة إصلاح نيابي وتشريعي وتنفيذي جاد، والسبب هو تبادل الأدوار في التكسب والمصلحة الشخصية من كل ذلك وتسيد فكرة «ضمان الاستمرار بالمنصب الوزاري أو المقعد النيابي للتي كانت هدف وغاية أغلب رجال هذه المرحلة» وهو سبب توالي دوامة الفساد وتراكماتها، ولماذا لم يتم خلال ربع قرن من الزمان القبض على فاسد أو محاكمته؟ أو التعرف على رموز الفساد ودوائره رغم كثرة الحديث عنه؟ ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فمن كان جزءاً منه لا يمكن أن يواجهه إلا بفرقعات وتشنجات للاستهلاك الإعلامي والانتخابي، وهذه هي حال معظم من في الحكومة والنواب.
9 ـ إن الفساد صارت له في الدولة اليوم مراكز ورموز وشخصيات، فهناك من يديره من موقع السلطة والنفوذ الحكومي، كما هي حال بعض الوزراء، وهناك من يرتبه من موقع السياسي المؤثر كما هي حال بعض أعضاء مجلس الأمة، كما صارت له أنماط وأساليب وممارسات معلومة ومدركة، بل البعض اعتادها وصار يبررها ولا يرى في سلوكها أي حرج، مثل طلب الرشوة تحت مسمى «الإكرامية»، أو الحصول على منفعة مباشرة (علاج في الخارج – أو بعثة تعليمية – أو التعيين بمناصب قيادية) تحت مسمى «رد الجميل» وغيرها كثير!
10 ـ إن ذلك يعني أن مهمة تطهير البلد من الفساد تبدأ بإدراك ذلك وتمتد إلى جميع مناحيه، وتتطلب إقصاء كل المتورطين أياً كانت أسماؤهم أو صفاتهم، بعيداً عن المجاملة أو المراعاة لهم أيا كان دورهم أو رغبتهم أو شعورهم بالذنب الآن، فيكفي أنهم جزء من تراكمات الفساد في البلد وورطتها فيه.