عندما أطلق النائب السابق مسلم البراك مشروع “النضال السياسي” بعد آخر خروج له من السجن حمّل المعارضة السياسية وكتلة الأغلبية مسؤولية إخفاق الحراك الشعبي وتبعثره وضياع بوصلته، انتهاءً بحالة الشلل السياسي العام الذي أصاب الساحة السياسية، والمصحوبة بالإحباط الشديد من معظم المجاميع الشبابية التي كانت وقوداً لهذا الحراك قبل أربع سنوات.
مشروع النضال السياسي هذا لم يلق أي أصداء إيجابية في أوساط المعارضة نفسها أو الكثير من تياراتها ورموزها، خصوصا من النواب السابقين، إذ يبدو واضحاً أن الأجندة الحقيقية لها لا تستوعب هذا الأفق الكبير للعمل السياسي الوطني بقدر ما تهدف إلى العودة للكراسي البرلمانية.
دون الخوض في تعريف مسلم البراك النضال السياسي فإن أبسط قواعد هذا الشعار تعني الإيثار بالمناصب والمنافع الشخصية، والعمل على تحقيق مكتسبات عامة من أهمها الدفاع عن الحريات والمشاركة الشعبية الحقيقية في صنع القرار، وعودة السيادة للأمة في تحديد مفهوم المصلحة العامة، والتصدي بذلك لبؤر الفساد والاستحواذ على ثروات البلد من أصحاب النفوذ والمصالح الضيقة، الأمر الذي يتطلب برنامجاً وطنياً وجبهة موحدة عريضة ومؤمنة بهذه القواسم قولاً وعملاً، وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لا تتحقق خلاله طموحاتنا كأفراد بالضرورة.
هذا النضال بالتأكيد لا يعجب الكثير ممن يجعل من أجنداته الخاصة وتفكيره الضيق هدفه الأوحد، ولهذا نجد أن البعض استبدله سريعاً بالنضال الطائفي، وهو بالتأكيد نضال سريع التأثير ونتائجه فورية وشعبيته متوافرة، كما أن كلفته السياسية رخيصة جداً، ولذلك جاء الرد المباشر على تصريحات “بو حمود” النضالية، فبدأت التغريدات والتصريحات من بعض المحسوبين على صفوف المعارضة تنهش في جسم الوحدة الوطنية، بل حتى القضايا السياسية العامة والانتقادات الموجهة للحكومة صارت تغلف بغطاء طائفي من أجل الركوب على موجة الاستقطاب الشعبي.
آخر هذه البدع التعرض لمقام سمو ولي العهد بطريقة مريضة بالحقد الطائفي والتحليل السخيف، وصولاً إلى نعت الأسرة الحاكمة بالروافض!! مع العلم أن أمثال هؤلاء يعرفون جيداً أن دولة الكويت هي الوحيدة في العالم العربي التي تتم فيها مبايعة ولي العهد وفق إجراءات دستورية واضحة من مجلس الأمة، ولكن ماذا يمكن أن يقال لمن هلّل وبارك التعديلات الأخيرة التي شملت مناصب ولي العهد، وولي ولي العهد قبل أيام في المملكة العربية السعودية، وهو شأن داخلي بحت لدولة مستقلة؟!
النضال الطائفي بات رخيصاً، فلا يكلف سوى كفالة مالية بثلاثة آلاف دينار، وتحقيق روتيني لعدة ساعات للخروج كبطل، ولتعقد بعد ذلك الندوات وتطلق التصريحات لتضعف الوحدة الوطنية بطرحها الفئوي، دون الاهتمام بحالة الفشل الكبير الذي أصاب البلد والخروقات المستمرة للقوانين والتطاول على الأموال العامة، وتوزيع المناصب القيادية وفق محاصصة مصلحية، لأن هذا النوع من النضال ضد الفساد هو المحك الحقيقي الذي لا يكون ثمنه كفالة مالية أو حكماً بالبراءة بل ثمناً مستحقاً لإنقاذ وطن!