من الامور التي نتمنى ان نراها في بلدنا وجود مجلس أمة وحكومة متعاونين ومتفاهمين وفقاً للماده خمسين من الدستور الكويتي، وهذه الامنية لم تتحقق طوال الممارسة للعملية السياسية في تاريخ الكويت! حتى أصبح التوتر وعدم الاستقرار سمة هذه العلاقة بين السلطتين، لذلك شاهدنا تكرار ظاهرة حل المجالس منذ السبعينات الى ان بلغت ذروتها في العقد الاخير.
في مقال سابق ذكرت ان السبب لعدم الاستقرار هو عدم قناعة الحكومة بالدستور الكويتي والممارسة نفسها، واليوم اذكر سببا آخر وهو نتيجة السبب الاول، حيث ان المعارضة السياسية أخذت تمارس اسلوب الصوت العالي في محاولة لفرض موقفها بعد ان تغلبت عليها الحكومة في اساليبها الملتوية وغير القانونية احيانا مثل الترهيب والترغيب او كما يقال «اللي ما يجي بشيمه يجي بقيمه»!
في المجلس الاخير المنحل، كان التعاون بين السلطتين في أبشع صوره، لدرجة ان حقوق الوطن والمواطن كادت تضيع بسبب الخضوع التام من المجلس للحكومة، وفي المجالس السابقة كان العكس بالضبط، حيث كان العناد سيد الموقف، وكان التعاون شبه معدوم، حيث كان التعاون يسمى تهاونا وكانت صبغة التبعية للحكومة والانبطاح لها تلصق بكل من يحاول ان يطرح رأياً هادئاً او عاقلا او راكداً!
كنت قد تمنيت ان تكون المعارضة القادمة عاقلة، لكن يبدو ان انتشار الفساد بهذا الشكل الواسع لا يعطي للصوت العاقل فرصة كي يُسمع ويسمح للمتشددين بالحق ان يمارسوا نبرة الصوت العالي من جديد، ونحن نعلم ان هذا الاسلوب لا ينفع مع حكومة غير مؤمنة أصلاً بحق النائب بالاعتراض! لذلك سنرجع الى المربع الاول وسننتخب مجلسا ثم ننتظر متى يصدر قرار حله!
اليوم بدر الداهوم يرفع مذكرة للتوقيع عليها من المرشحين يلتزمون فيها بعدم التصويت لمرزوق الغانم بالرئاسة للمجلس القادم! ويقول ان من لا يوقع فهو مندوب (!!) ثم يفزع المعسكر المقابل ليقول ان هؤلاء يسيرهم خصوم مرزوق لينتقموا منه مبكراً! وأصبح المرشح بين تهمتين، اما ان ينعت بأنه مندوب أو انه مدفوع، وهذه بداية غير مطمئنة! وطبعا الحركة الدستورية الاسلامية في قلب الحدث وستكون الانظار متجهة الى مرشحيها دون غيرهم، وسيترك جميع المرشحين وتبدأ التهم المعلبة تنهال على مرشحي الحركة. ويعلم الجميع موقف الحركة من المجلس المنحل، واننا من أكثر من انتقد أداءه ومن أول من رفضه، وما مشاركتنا الا محاولة لاصلاحه، لكن هل يتركنا هؤلاء نركد لنتفرغ للاصلاح؟
على المستوى الشخصي لا اتوقع ان تصوت الحركة لمن يجسد المرحلة السابقة التي عاشها البلد، لكن ايضا لا أتمنى ان تخضع الحركة وتسير وفقا لاجندات الآخرين ونتخذ مواقف مسبقة غير ملزمين باتخاذها اليوم!
المشكلة كما ذكرت، اننا ان خطونا نحو اليمين وصمنا بالتبعية للشيخ، وان خطونا نحو اليسار اتهمونا بالانجرار وراء التاجر، وان قررنا الوقوف بالمنتصف اتهمونا بأننا موعودون بالصفقات، يعني التهم فينا فينا، طيب متى نركد ونتفرغ للاصلاح وننطلق للانجاز ومواجهة الفساد.. ما ندري؟!